للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَجْمَعُ اللَّهُ هذا (١) مِن بطونِ هؤلاءِ؟ فقال: يا ربِّ، أَرِني كيف تُحْيِي الموتى. قال: أوَلم تُؤمن؟ قال: بلى ولكن لِيَطْمَئِنَّ قلبى (٢).

وقال آخرون: بل كان سببَ مسألتِه ربَّه ذلك المناظرةُ والمحاجَّةُ التي جرَت بينه وبين نُمْرُوذَ في ذلك.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، قال: ثني ابن إسحاقَ، قال: لمَّا جرَى بينَ إبراهيمَ وبينَ قومِه ما جرى بينَهم، ممَّا قصَّه اللَّهُ في سورةِ "الأنبياء" (٣)، قال نُمْرُوذُ - فيما يذكُرون - لإبراهيمَ: أرأيتَ إلهَك هذا الذي تَعْبُدُ وتدعُو إلى عبادتِه، وتَذْكُرُ مِن قدرتِه التي تُعَظِّمُه بها على غيرِه، ما هو؟ قال له إبراهيمُ: ربيَ الذي يُحيِى ويُميت. قال نُمْرُوذَ: أنا أُحْيى وأُمِيتُ. فقال له إبراهيمُ: كيف تحيى وتُمِيتُ؟ ثم ذَكر ما قصَّ اللهُ مِن محاجَّتِه إِيَّاه، قال: فقال إبراهيمُ عندَ ذلك: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾. عن غيرِ شَكٍّ فِي اللَّهِ تعالى ذكرُه ولا في قدرته، ولكنه أحبَّ أن يَعْلَمَ ذلك، وتاق إليه قلبُه، فقال: لِيَطْمَئِنَّ قلبي. أيْ: ما تاق إليه إذا هو علمه.

وهذان القولان - أعنِى الأولَ وهذا الآخرَ - مُتَقاربا المعنى، في أن مسألةَ إبراهيمَ ربَّه أن يُرِيَه كيفَ يحيِى الموتى، كانت ليَرَى عِيانًا ما كان عندَه من علمِ ذلك خبرًا.

وقال آخرون: بل كانت مسألتُه ذلك ربَّه عند البشارةِ التي أتَته من اللهِ جلّ ثناؤُه


(١) في الأصل، ص، ت ٢: "هؤلاء".
(٢) ينظر البحر المحيط ٢/ ٢٩٧.
(٣) الآيات ٥١ - ٧١.