والصوابُ مِن القولِ عندَنا في ذلك أن يُقالَ: إن الله تعالى ذكرُه أَنْزَل المائدةَ على الذين سأَلوا عيسى. مسألتَه ذلك ربَّه.
وإنما قلنا ذلك؛ للخبر الذي رَوَينا بذلك عن رسولِ اللهِ ﷺ وأصحابِه وأهلِ التأويلِ مِن بعدِهم، غيرَ مَنِ انْفَرَد بما ذكَرْنا عنه.
وبعد، فإن الله تعالى ذكرُه لا يُخْلِفُ وعدَه، ولا يَقَعُ في خبره الخُلْفُ، وقد قال تعالى، مُخبرًا في كتابِه عن إجابةِ نبيِّه عيسى ﷺ حينَ سأَله ما سأَله مِن ذلك: ﴿إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ﴾. وغيرُ جائزٌ أن يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ﴾. ثم لا يُنَزِّلُها؛ لأن ذلك منه تعالى خبرٌ، ولا يكون منه خلافُ ما يُخْبِرُ، ولو جاز أن يقولَ: ﴿إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ﴾. ثم لا يُنَزِّلُها عليهم، جاز أن يقولَ (١): فمن يكفرْ بعدُ مِنكم فإنِّى معِّذبُه عذابًا لا أعذِّبُه أحدًا مِن العالمين. ثم يَكْفُرُ منهم بعدَ ذلك فلا يُعَذِّبُه، فلا يَكُون لوعدِه ولا لوَعيدِه حقيقةٌ ولا صحةٌ، وغيرُ جائزٍ أن يُوصَفَ ربُّنا تعالى بذلك.
وأما الصواب مِن القولِ فيما كان على المائدةِ، فأن يقالَ: كان عليها مأكولٌ، وجائزٌ أن يكون كان سمكًا وخبزًا، وجائزٌ أن يكونَ كان ثمرًا مِن ثمرِ الجنةِ، وغيرُ نافعِ العلمُ به، ولا ضارٌّ الجهلِ به، إذا أقرَّ تالى الآيةِ بظاهرِ ما احْتَمَلَه التنزيلُ.
وهذا جوابٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه القومَ فيما سأَلوا نبيَّهم عيسى مسألةَ ربِّهم مِن إنزالِه مائدةً عليهم، فقال تعالى ذكرُه: إنى مُنَزِّلُها عليكم أيُّها الحواريَّون فمُطْعِمُكموها، ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ﴾. يقولُ: فَمَن يَجْحَدُ بعد إنزالها