في قولِه: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ إلى قولِه: ﴿نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾، قال: فما بالُ أقوامٍ يَتكلَّفون علمَ الناسِ؟ فلانٌ في الجنةِ، وفلانٌ في النارِ. فإذا سألتَ أحدهم عن نفسِه قال: لا أدرى. لَعَمْرِى أَنتَ بنفسِك أعلمُ منك بأعمالِ الناسِ، ولقد تكَلَّفْتَ شيئًا ما تَكلَّفَتْه الأنبياء قبلَك، قال نبيُّ اللهِ نوحٌ ﵇: ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: ١١٢]. وقال نبيُّ اللهِ شعيبٌ ﵇: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ [هود: ٨٦]. وقال اللهُ لنبيِّه ﵇: ﴿لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ (١).
وقولُه: ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾. يقولُ: سنعذِّبُ هؤلاء المنافقين مرَّتين؛ إحداهما في الدنيا، والأخرى في القبرِ.
ثم اختلَفَ أهلُ التأويلِ في التي في الدنيا، ما هي؟ فقال بعضُهم: هي فضيحتُهم، فَضَحَهم اللهُ بكشفِ أمورِهم وتَبيينِ سرائرِهم للناسِ على لسانِ رسولِه ﷺ.
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثنا الحسينُ بنُ عمرٍو العَنقَزِيُّ، قال: ثنا أبى، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عباسٍ في قولِ اللهِ: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ إلى قوله: ﴿عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾. قال: قامَ رسولُ اللهِ ﷺ خطيبًا يومَ الجمعةِ، فقال:"اخرُج يا فلانُ، فإنك مُنافقٌ، اخرُج يا فلانُ فإنك مُنافقٌ". فأخرَجَ من المسجدِ
(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ٢٨٥، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٨٧٠ عن الحسن بن يحيى به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٢٧١ إلى ابن المنذر وأبى الشيخ.