للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾.

يعنى بقولِه جل ثناؤُه: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾: حتى إذا جبُنْتُم ووخِمْتُم (١)، ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾. يقولُ: واخْتَلَفْتُم في أمرِ اللهِ. ﴿وَعَصَيْتُمْ﴾. يقولُ وخالَفْتُم نبيَّكم ، فترَكْتُم أمرَه، وما عهِد إليكم. وإنما يعنى بذلك الرُّماةَ الذين كان أمَرَهم بلزومِ مركزِهم ومقعدِهم مِن فم الشِّعْبِ بأحدٍ، بإزاءِ خالدِ بن الوليدِ ومَن كان معه مِن فُرسان المشركين الذين ذكَرْنا قبلُ أمْرَهم.

وأما قولُه: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾، فإنه يعنى بذلك: مِن بعدِ الذي أراكم اللهُ أيُّها المؤمنون بمحمدٍ مِن النصرِ والظَّفَرِ بالمشركين، وذلك هو الهزيمةُ التي كانوا هزَمُوهم عن نسائِهم وأموالِهم، قبلَ ترْكِ الرُّماةِ مَقاعدَهم، التي كان رسولُ اللهِ أقعَدَهم فيها، وقبلَ خروجِ خيلِ المشركين على المؤمنين مِن ورائِهم.

وبنحوِ الذي قلنا تَظاهَرَت الأخبارُ عن أهلِ التأويلِ، وقد مضَى ذِكْرُ بعض مَن قال ذلك، وسنَذْكُرُ قولَ بعض مَن لم نذكُرْ قولَه فيما مضَى.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾، أي: اخْتَلَفْتُم في الأمرِ ﴿وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾، وذاكم يومَ أحدٍ، عهد إليهم نبيُّ اللهِ ، وأمَرَهم بأمرٍ، فنَسُوا العهدَ، وجَاوَزوا وخالَفوا ما أمَرَهم نبيُّ اللهِ ، فصرَف (٢) عليهم عدوَّهم، بعدَ ما أراهم مِن عدوِّهم ما يُحِبُّون.


(١) سقط من: ت ٢، ت ٣، س، وفى م: "ضعفتم".
(٢) في م: "فانصرف".