للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكنْ من اللهِ عندَك هُزْءٌ ولا سخريةٌ؟ فإن قال: لا. كذَّب بالقرآنِ، وخرَج من (١) ملَّةِ الإسلامِ. وإن قال: بلى. قيل له: أفتقولُ من الوجهِ الذي قلت: ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾، ﴿سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ﴾: يلعَبُ اللهُ بهم ويعبَثُ. ولا لعبَ من اللهِ ولا عبثَ؟ فإن قال: نعم. وصَف اللهَ بما قد أجْمَع المسلمون على نفيِه عنه، وعلى تخطئةِ واصفِه به، وأضاف إليه ما قد قامت الحجةُ من العقولِ على ضلالِ مُضيفِه إليه. وإن قال: لا أقولُ: يلعبُ اللهُ بهم، ولا يعبَثُ. وقد أقولُ: يَسْتهزِئُ بهم، ويسخَرُ منهم. قيل: فقد فرَّقت بين معنى اللعبِ والعبثِ، والهُزْء والسخريةِ، والمكرِ والخديعةِ، ومن الوجهِ الذي جاز قيل هذا، ولم يَجُزْ قيلُ هذا، افْتَرق معنياهما، فعُلم أن لكلِّ واحدٍ منهما معنًى غيرَ معنى الآخرِ.

وللكلامِ في هذا النوعِ موضعٌ غيرُ هذا، كرِهنا إطالَة الكتابِ باستقصائِه، وفيما ذكَرْنا كفايةٌ لمن وُفِّق لفَهمِه.

القولُ في تأويلِ قولِه جلّ ثناؤه: ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾.

قال أبو جعفر: اخْتَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾؛ فقال بعضُهم بما حدَّثني به موسى بنُ هارونَ، قال: حدَّثنا عمرٌو، قال: حدَّثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ في خبرٍ ذكَره عن أبي مالكٍ، وعن أي صالحٍ، عن ابنِ عباسٍ، وعن مُرَّةَ، عن ابنِ مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحابِ النبيِّ : ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾: يُملي لهم (٢).


(١) في م: "عن".
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ٧٨ عن السدي به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣١ إلى المصنف عن ابن مسعود وحده. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٤٨ (١٤٤) من طريق عمرو بن حماد، عن أسباط، عن السدي من قوله. وسيأتي بقية هذا الأثر في ص ٣٢١، ٣٢٢.