للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دونَ الشئِ الذي لم يَمُت، ويُخرجُ الشئَ الميتَ دونَ الشئِ الذي لم يَمُت من الشئِ الحيِّ.

وذلك أن الميِّتَ مُثقلَ الياءِ عندَ العربِ، ما لم يَمُت وسيموتُ، وما قد مات. وأما الميْتُ مُخفّفًا، (١) فهو الذي قد مات، فإذا أرادوا النعت قالوا: إنك مائتٌ غدًا، وإنهم مائِتون. وكذلك كلُّ ما لم يَكُنْ، بعدُ، فإِنه يَخْرُجُ على هذا المثالِ الاسمُ منه. يقالُ: هو الجائدُ بنفسه، والطائبةُ نفسُه بذلك. وإذا أُريد معنى الاسمِ قيل: هو الجوادُ بنفسِه، والطيبةُ نفسُه.

فإذ كان ذلك كذلك، فأوْلَى القراءتين في هذه الآية بالصواب (٢) قراءةُ من شدَّدَ الياءَ مِن "الميِّتِ؛ لأن الله جلَّ ثناؤُه يُخرِجُ الحيَّ مِن النطفةِ التي قد فارقت الرجلَ، فصارت ميِّتةً، وسيُخرجُه منها بعدَ أن تُفارِقَه وهى في صُلبِ الرجلِ، ويُخرِجُ الميِّتَ من الحيِّ؛ النطفةَ التي تصيرُ بخروجِها من الرجل الحيِّ ميِّتًا، وهى قبل خروجِها منه حيةٌ، فالتشديدُ أبلغُ في المدحِ وأكملُ في الثناء.

القولُ في تأويل قولِه: ﴿وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧)﴾.

يعنى بذلك جل ثناؤُه أنه يُعطى مَن يشاءُ مِن خلقِه، فيَجودُ عليه بغير محاسبةٍ منه لمَن أعطاه؛ لأنه لا يخافُ دخولَ انتقاصٍ في خزائنِه، ولا الفناءَ على ما بيده.

كما حدَّثني المُثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابن أبى جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع في قوله: ﴿وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. قال: يُخرجُ الرزق من عنده بغير حسابٍ، لا يخافُ أن يَنْقُصَ ما عنده (٣).


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "مخفف"، وفى س: "فيخفف".
(٢) كلتا القراءتين صواب.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٢٨ (٣٣٧٣) من طريق ابن أبي جعفر به نحوه.