للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأوْلَى التأويلات التي ذَكرناها في هذه الآيةِ بالصوابِ تأويلُ مَن قال: يُخرِجُ الإنسان الحيَّ (١) والأنعامَ والبهائمَ الأحياءَ من النُّطْفِ المَيتةِ، وذلك إخراجُ الحيِّ من الميتِ، ويُخرِجُ النُّطفة المَيتةَ من الإنسانِ الحيِّ والأنْعامِ والبهائم الأحياءِ، وذلك إخراجُ المَيتِ منِ الحيِّ. وذلك أن كلَّ حيٍّ فارقه شيءٌ من جسدِه، فذلك الذي فارَقه منه ميتٌ، فالنُّطفةُ مَيتةٌ لمُفارقتِها جسدَ مَن خرَجت منه، ثم يُنْشِئُ اللَّهُ منها إنسانًا حيًّا وبهائمَ وأنعامًا أحياءَ، وكذلك حُكْمُ كلِّ شيءٍ حيٍّ زايَله شيءٌ منه، فالذي زايَله منه مَيِّتٌ. وذلك هو نَظيرُ قولِه: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨)﴾.

وأما تأويلُ مَن تأوَّله بمعنى الحَبَّةِ مِن السُّنبلة، والسُّنبلة من الحبةِ، والبَيضةِ مِن الدَّجاجةِ، والدَّجاجة من البيضةِ، والمؤمنِ من الكافرِ، والكافرِ من المؤمنِ، فإن ذلك وإن كان له وجهٌ مفهومٌ، فليس ذلك الأغلبَ الظاهرَ في استعمالِ الناسِ في الكلامِ. وتوجيهُ معاني كتاب الله ﷿ إلى الظاهرِ المُسْتَعمل في الناسِ، أَوْلَى من توجيهِها إلى الخفيِّ القليلِ في الاستعمالِ.

واختلفتِ القرأةُ في قراءة ذلك؛ فقرأته جماعةٌ منهم: ﴿وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾، بالتشديد وتَثقيلِ الياءِ من "الميت" (٢)، بمعنى أنه يُخرجُ الشئ الحَيَّ مِن الشئِ الذي قد مات ومما لم يَمُت.

وقرأت جماعةٌ أخرى منهم: (تُخْرِجُ الحيَّ منَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيْتَ من الحيِّ) بتخفيف الياءِ من "الميت"، بمعنى أنه يُخرِجُ الشئَ الحَيَّ مِن الشئِ الذي قد مات،


(١) سقط من: ت ١.
(٢) وهى قراءة نافع وعاصم - في رواية حفص - وحمزة والكسائى، وقرأ ابن كثير وعاصم - في رواية أبى بكر - وأبو عمرو وابن عامر، بالتخفيف، وسيذكره المصنف. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٢٠٤.