للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أليس هذا البعثُ والنَّشْرُ بعدَ المَماتِ الذي كنتم تُنْكِرونه في الدنيا حقًّا؟ فأجابوا فقالوا: ﴿بَلَى﴾ واللهِ إنه لحقٌّ. ﴿قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾. يقولُ: فقال اللهُ تعالى ذكرُه لهم: فذُوقوا العذابَ الذي كنتُم به في الدنيا تُكَذِّبون، ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾. يقولُ: بتكذيبِكم به وجحودِكموه الذي كان منكم في الدنيا.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾: قد هلَك ووُكس في بيعِهم الإيمانَ بالكفرِ، ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾. يعنى: الذين أنْكَروا البعثَ بعدَ المماتِ، والثوابَ والعقابَ، والجنةَ والنارَ، مِن مُشْرِكي قريشٍ ومَن سَلَك سبيلَهم في ذلك، ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ﴾. يقولُ: حتى إذا جاءَتْهم الساعةُ التي يَبْعَثُ الله فيها الموتى مِن قبورهم.

وإنما أُدْخِلَت الألفُ واللامُ في ﴿السَّاعَةُ﴾؛ لأنها معروفةُ المعنى عندَ المُخاطَبين بها، وأنها مقصودٌ بها قصدُ الساعةِ التي وَصَفْت.

ويعنى بقولِه: ﴿بَغْتَةً﴾: فجأةً مِن غيرِ علمِ مَن تَفْجَؤُه بوقتِ مُفاجأتِها إياه. يقالُ منه: بغَتُّه أَبْغَتُه بَغْتَةً. إذا أخَذْتَه كذلك.

﴿قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وُكِس الذين كذَّبوا بلقاءِ اللهِ، ببيعِهم منازلَهم مِن الجنةِ بمنازلِ مِن اشتَرَوا منازلَه مِن أهلِ الجنةِ مِن النارِ، فإذا جاءَتْهم الساعةُ بَغْتَةً قالوا إذا عايَنوا ما باعوا وما اشْتَرَوْا، وتبَيَّنوا خَسارةَ صَفْقةِ بَيْعِهم التي سلَفَت منهم في الدنيا؛ تَنَدُّما وتلهُّفًا على عظيمِ الغَبْنِ الذي غَبَنُوه أنفسَهم، وجليلِ الخُسْرانِ الذي لا حُسْرانَ أجلُّ منه: ﴿يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾. يقولُ: يا نَدامتنا على ما ضيَّعنا فيها. يعني: في صفقتِهم تلك.