للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما "المائدةُ"، فإنها الفاعلةُ، مِن: ماد فلانٌ القومَ يَميدُهم مَيْدًا. إذا أطْعَمَهم ومارَهم، ومنه قولُ رُؤْبة (١):

نُهْدِى رُءُوسَ المُترفين الأَنْدادُ … إلى أميرِ المؤمنين المُمْتَادُ

يعنى بقولِه: المُمْتادُ: المُسْتَعْطَى، فـ "المائدة" المُطْعِمةُ. سُمِّيَت الخِوانُ بذلك لأنها تُطْعِمُ الآكلَ مما عليها. والمائدُ المُدَارُ به في البحرِ، يقالُ: مادَ يَميدُ مَيْدًا.

وأما قوله: ﴿قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. فإنه يعنى: قال عيسى للحواريين القائلين له: ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾: راقِبوا الله أَيُّها القومُ، وخافوه أن يَنْزِلَ بكم مِن اللهِ عقوبةٌ على قولكم هذا، فإن الله لا يُعجزه شيء أراده، وفى شكِّكم في قدرة الله على إنزالِ مائدةٍ مِن السماءِ كفرٌ به، فاتَّقُوا اللَّهَ أَن يُنْزِلَ بكم نقمته، ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. يقولُ: إِن كنتم مُصَدِّقيَّ على ما أَتَوَعَّدُكم به مِن عقوبةِ اللهِ إياكم على قولِكم: ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣)﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بذلك: قال الحواريُّون مُجِيبى عيسى على قولِه لهم: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ في قولِكم لى (٢): ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ -: إنا إنما قلنا ذلك، وسأَلْناك أن تَسْأَلَ لنا ربَّك لنَأْكُل مِن المائدةِ، فنَعْلَمَ يقينًا قدرتَه على كلِّ شيءٍ، ﴿وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾.


(١) ديوانه ص ٤٠.
(٢) سقط من: م.