للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وراجَعتم الحقَّ الواجبَ للهِ عليكم، فشَكَرتموه على ما أنعَم عليكم مِن نِعَمِه في أنفسِكم وأهاليكم وأولادِكم بالإنابةِ إلى توحيدِه، والاعتصامِ به، وإخلاصِ أعمالِكم لوجهِه، وتَرْكِ رياءِ الناسِ بها، وآمَنْتم برسولِه محمدٍ فصَدَّقْتموه، وأقرَرْتم بما جاءكم به مِن عندِه، فعمِلتم به؟ يقولُ: لا حاجةَ باللهِ إلى أن يَجْعَلَكم في الدَّرْكِ الأَسفلِ مِن النارِ، إن أنتم أَنَبتُم إلى طاعتِه، وراجَعْتم العملَ بما أمَركم به، وتَرْكِ ما نهاكم عنه؛ لأنه لا يَجتلِبُ بعذابِكم إلى نفسِه نفعًا، ولا يَدْفَعُ عنها ضَرًّا، وإنما عقوبتُه من عاقَب من خلقِه جزاءٌ منه له على جُرْأتِه عليه، وعلى خلافِه أمرَه ونَهْيَه، وكُفْرانِه شُكْرَ نِعَمِه عليه، فإن أنتم شَكَرْتم له على نِعَمِه، وأَطَعْتُموه في أمرِه ونَهْيه، فلا حاجةَ به إلى تَعْذيبِكم، بل يَشْكُرُ لكم ما يكونُ منكم مِن طاعةٍ له وشُكْرٍ، بمُجازاتِكم على ذلك بما تَقْصُرُ عنه أَمانِيُّكم، ولم تَبْلُغُه آمالُكم. ﴿وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا﴾ لكم ولعبادِه على طاعتِهم إياه، بإجزالِه لهم الثوابَ عليها، وإعظامِه لهم العِوَضَ منها ﴿عَلِيمًا﴾ بما تَعْمَلُون، أيُّها المُنافِقون، وغيرُكم من خيرٍ وشَرٍّ، وصالحٍ، وطالحٍ، مُحْصٍ ذلك كلَّه عليكم، مُحِيطٌ بجميعِه، حتى يُجازِيَكم جزاءَكم يومَ القيامةِ، المُحسِنَ بإحسانهِ، والمُسِيءَ بإساءتِه.

وقد حدَّثنا بِشْرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾. قال: وإن الله لا يُعَذِّبُ شاكرًا ولا مُؤْمِنًا (١).

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (١٤٨)﴾.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٣٧ إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.