للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولُه: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾. فإن معناه: إن ربَّكم لا يُحِبُّ مَن اعْتَدى، فتجاوزَ حَدَّه الذي حَدَّه لعبادِه، في دعائِه ومسألتِه ربَّه، ورَفْعِه صوتَه فوقَ الحدِّ الذي حَدَّ لهم في دعائِهم إياه ومسألتِهم، وفى غيرِ ذلك مِن الأمورِ.

كما حدَّثني يعقوبُ، قال: ثنا معتمرُ بنُ سليمانَ، قال: أنبأنا إسماعيلُ بنُ حمادِ بن أبي سليمانَ، عن عبادِ بن عبادِ بن (١) علقمةَ، عن أبي مِجْلزٍ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾. قال: لا تسألْ منازلَ الأنبياءِ (٢).

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حجاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيِّ، عن ابن عباسٍ: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾: في الدعاءِ ولا في غيرِه. قال ابن جريجٍ: مِن الدعاءِ اعتداءٌ، يُكْرَهُ رفعُ الصوتِ، والنداءُ والصياحُ بالدعاءِ، ويُؤمَرُ بالتضرُّع والاستكانةِ (٣).

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)﴾.

يعني تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾: لا تُشْرِكوا بالله في الأرض، ولا تَعْصُوه فيها، وذلك هو الفسادُ فيها.

وقد ذَكَرنا الروايةَ في ذلك فيما مَضَى، وبَيَّنَّا معناه بشواهدِه (٤).

﴿بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾. يقولُ: بعدَ إصلاحِ اللهِ إياها لأهلِ طاعتِه،


= المصنف وابن المنذر وأبى الشيخ.
(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "عن". وينظر تهذيب الكمال ١٤/ ١٣٢.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٥٠٠ (٨٥٩٧) من طريق معتمر بن سليمان به.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٥٠٠ (٨٥٩٩)، وأما قول ابن جريج فقد ذكره ابن كثير في تفسيره ٣/ ٤٢٤، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٩٣ إلى أبى الشيخ.
(٤) ينظر ما تقدم في ١/ ٢٩٦ - ٢٩٩.