للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعقوبةِ، قبَل الرخاءِ والعافية، فيَقُولُون: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢]. وهم يَعْلَمُون ما حلَّ بَمَنْ خلَا قبلَهم من الأممِ التي عصَت ربَّها، وكذَّبت رسلَها، من عقوباتِ اللهِ وعظيمِ بلائِه، فمن بين أمةٍ مُسِخت قِرَدةً وأخرى خنازيرَ، ومن بين أمةٍ أُهْلِكت بالرجْفَةِ، وأخرى بالخسفِ، وذلك هو المَثُلاثُ التي قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ﴾.

والمَثُلاتُ: العقوباتُ المنكِّلاتُ، والواحدةُ منها مَثُلةٌ، بفتحِ الميمِ وضمِّ الثاءِ. ثم تُجمَعُ: مَثُلاتٍ، كما واحدةُ الصَّدُقاتِ صَدُقَةٌ، ثم تُجمَعُ صَدُقاتٍ. وذُكر أن تَمِيمًا من بين العربِ تَضُمُّ الميم والثاء جميعًا من المُثُلاتِ، فالواحدةُ على لغتهم منها مُثْلةٌ، ثم تُجمَعُ مُثُلاتٍ، مثلُ غُرْفَةٍ وغُرُفاتٍ. والفعلُ منه: مَثَلْتُ به أَمْثلُ مَثلًا، بفتحِ الميمِ وتسكينِ الثاءِ، فإذا أردتَ أنك أقصصتَه من غيرِه، قُلْتَ: أمثُلتَه من صاحبِه أُمثلُه إمثالًا. وذلك إذا أقصَصته منه.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ﴾: وقائعُ اللهِ في الأممِ، فيمَن خَلا قبلكم (١).

وقوله: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾. وهم مشركو العرب، اسْتَعْجَلوا بالشرِّ قبلِ الخيرِ، وقالوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢٢٢٣ (١٢١٣٧) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٤٤ إلى المصنف وابن المنذر وعبد الرزاق.