للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه عزَّ ذكرُه: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (٤٥)﴾.

يقولُ عزَّ ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : واضرِبْ لحياةِ هؤلاء المُستَكبرين -الذين قالوا لك: اطرُدْ عنك هؤلاء الذين يَدْعُون ربَّهم بالغداةِ والعشيِّ، إذا نحن جئناك- الدُّنيا مِنهم مَثَلًا. يقولُ: شَبَهًا. ﴿كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ﴾. يقولُ: كمطرٍ أَنزَلْناه من السماءِ [إلى الأرضِ] (١) ﴿فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ﴾. يقولُ: فاختَلَط بالماءِ نباتُ الأرضِ، ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا﴾. يقولُ: فأصبَح نباتُ الأرضِ يابسًا مُتفَتِّتًا، ﴿تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾. يقولُ: تُطيِّرُه الرياحُ وتُفرِّقُه، يقال منه: ذَرَته الريحُ تَذْرُوه ذَرْوًا، وذَرَتْه ذَرْيًا، وأَذْرَته تُذْرِيهِ إِذْرَاءً (٢)، كما قال الشاعرُ (٣):

فقُلْتُ لَهُ صَوِّبْ وَلا تُجْهِدَنَّه … فَيُذْرِكَ مِنْ أُخرَى القَطَاةِ فَتُزلَقِ

يُقال: أَذْرَيتُ الرجلَ عن الدَّابةِ والبعيرِ: إذا أَلْقَيْتُه عنه.

وقولُه: ﴿وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ يقولُ: وكان اللهُ على تخريبِ جَنَّةِ هذا القائلِ حينَ دخَل جَنَّتَه: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (٣٥) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾. وإهلاكِ أموالِ ذى الأموال الباخلين بها عن حقوقها، وإزالةِ دنْيا الكافرين به عنهم، وغيرِ ذلك مما يشاءُ، قادرًا لا يُعجِزُه شيءٌ أرادَه، ولا يُعْييه أمرٌ أرادَه، يقولُ: فلا يَفْخَرْ ذو الأموالِ بكثرةِ أموالِه، ولا يستكبِرْ على غيرِه


= الناسخ- هي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر وأبي عمرو والكسائي. السبعة ص ٣٩٢.
(١) سقط من: م، ف.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "اذراه". وينظر اللسان (ذ ر ا).
(٣) هو امرؤ القيس. ديوانه ص ١٧٤.