للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَهَنَّمَ﴾. إنَّما أُرِيد به ما كانوا يَعْبُدونه من الأصنامِ والآلهةِ مِن الحجارةِ والخشبِ، لا مَن كان مِن الملائكةِ والإنسِ. فإذ (١) كان ذلك كذلك لِما وصَفْنا، فقولُه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾. جوابٌ من اللَّهِ للقائلين ما ذكَرْنا مِن المشركين، مبتدأٌ.

وأما "الحُسنى" فإنها الفُعْلَى من الحُسنِ، وإنما عنَى بها السعادةَ السابقةَ مِن اللَّهِ لهم.

كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾. قال: الحُسنى السعادةُ. وقال: سبَقت السعادةُ لأهلِها مِن اللَّهِ، وسبَق الشَّقاءُ لأهلِه مِنَ اللَّهِ (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (١٠٢)﴾.

يقولُ تعالى ذِكرُه: لا يَسْمَعُ هؤلاء الذين سبقت لهم منا الحُسنى حَسِيسَ النارِ. ويعنى بالحَسيسِ: الصوتَ والحِسَّ.

فإن قال قائلٌ: فكيف لا يسمَعون حسيسَها، وقد علِمتَ ما رُوِى مِن أن جَهَنَّمَ يُؤتَى بها يومَ القيامةِ فَتَزْفِرُ زَفْرَةً، لا يبقى مَلكٌ مقرَّبٌ، ولا نبيٌّ مُرسلٌ إلا جَثا على رُكبتَيه خوفًا مِنها (٣)؟

قيل: إن الحالَ التي لا يسمَعون فيها حسيسَها هي غيرُ تلك الحالِ، بل هي


(١) في م: "فإذا".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٣٣٩ إلى المصنف وابن مردويه وابن أبي حاتم.
(٣) أثر مروى عن كعب الأحبار في مصنف ابن أبي شيبة ١٣/ ١٥١، وصفة النار لابن أبي الدنيا (١٧٥)، والبعث والنشور (٤٧٩)، وحلية الأولياء ٥/ ٣٦٩، ٣٧٣.