للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد، فإنه قال جلّ ثناؤه: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾. عطفًا به على قولِه: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾. ولا شكَّ أن الطائفة النافرةَ لم تنفِرْ (٢) إلا والإنذارُ قد تَقدَّمَ مِن الله إليها، وللإنذار وخوف الوعيدِ نفَرت، فما وَجْهُ إِنْدَارِ الطائفة المتخلفة الطائفة النافرة، وقد تساوتا في المعرفة بإنذار اللهِ إياهما؟ ولو كانت إحداهما جائزةٌ (٣) أن توصَفَ بإنذار الأخرى، لكان أحقَّهما بأن تُوصَفَ به الطائفةُ النافرةُ؛ لأنها قد عاينَت من قدرةِ اللهِ ونُصْرة المؤمنين على أهل الكفر به ما لم تُعاين المُقيمةُ، ولكن ذلك إن شاء الله كما قلنا، من أنها تُنْذِرُ مِن حَيِّها وقبيلتِها من لم يؤمنْ باللهِ إذا رجعت إليه، أن يَنْزِلَ به ما نزَلَ بَمَن عايَنَه (٤) ممن أظفَر اللهُ به المؤمنين مِن نُظَرائِهِ من أهل الشرك.

القولُ في تأويل قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه للمؤمنين به وبرسوله: يا أيُّها الذين صَدَّقوا اللَّهَ ورسوله، قاتِلوا من وليَكم من الكفارِ دونَ مَن [هو أبْعَدُ] (٥) منهم. يقولُ لهم: ابْدَءُوا بقتالِ الأقرب فالأقرب إليكم دارًا، دونَ الأبعد فالأبعد. وكان الذين يلُون المخاطبين بهذه الآية يومئذٍ الروم؛ لأنهم كانوا سكان الشام يومئذٍ، والشام كانت أقرب إلى المدينةِ


(٢) في ص، ت ١، ت ٢، م، ف: "ينفروا".
(٣) في م: "جائز".
(٤) في م: "عاينته".
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "أبعد"، وفى م: "بعد".