للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَلِيلًا تُتَلِّى حاجَةً ثُمَّ عُولِيَتْ … عَلى كُلِّ مَعْرُوشِ (١) الْحَصِيرَيْنِ بِادِنِ

يعنى بالحَصِيرَين: الجَنْبَين.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن يقالَ: معنى ذلك: وجعَلنا جَهَنَّمَ للكافرين فراشًا ومهادًا لا يُزايِلُه. من الحصيرِ الذي هو بمعنى البساطِ؛ لأن ذلك إذا كان كذلك كان جامِعًا معنى الحبسِ والامتهادِ، مع أن الحصيرَ بمعنى البساطِ في كلامِ العربِ أشهرُ منه بمعنى الحبسِ، وأنها إذا أرادت أن تصف شيئًا بمعنى حبسِ شيءٍ، فإنما تقولُ: هو له حاصرٌ أو مُحْصِرٌ. فأما الحصيرُ فغيرُ موجودٍ في كلامِهم، إلا إذا وصَفَته بأنه مفعولٌ به، فيكونُ في لفظِ فعيلٍ ومعناه مفعولٌ به، ألا ترَى بيتَ لبيدٍ: "لدى بابِ الحصيرِ". فقال: لدى بابِ الحصيرِ. لأنه أراد: لدى بابِ المحصورِ، فصرَف مفعولًا إلى فعيلٍ، فأما فعيلٌ في الحصرِ بمعنى وصفِه بأنه الحاصرُ، فذلك ما لا نجِدُه في كلامِ العربِ؛ فلذلك قلتُ: قولُ الحسنِ أولى بالصوابِ في ذلك. وقد زعَم بعضُ أهلِ العربيةِ من أهلِ البصرةِ أن ذلك جائزٌ، ولا أعلمُ لما قال وجهًا يصِحُّ إلا بعيدًا، وهو أن يُقالَ: جاء حصيرٌ. بمعنى: حاصرٌ، كما قيل: عليمٌ. بمعنى: عالمٌ، و: شهيدٌ. بمعنى: شاهدٌ. ولم يُسمَعْ ذلك مستعملًا في الحاصرِ كما سمِعنا في عالمٍ وشاهدٍ.

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٠)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: إن هذا القرآنَ الذي أنزَلناه على نبيِّنا محمدٍ يرشِدُ ويسدِّدُ من اهتدَى به ﴿لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾. يقولُ: للسبيلِ التي هي أقومُ مِن غيرِها


(١) في م: "مفروش".