للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ﴾. أي: بهذا القرآنِ (١).

وقولُه: ﴿وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ﴾ اختلَفتِ القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأتْه عامة قرأةِ الأمصارِ: ﴿يَسْمَعُ﴾. بمعنى أنَّه فِعْلٌ لـ"الصُّمِّ"، و "الصُّمُّ" حينئذٍ مَرْفُوعون.

ورُوِى عن أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ أَنَّه كان يقرَأُ: (وَلا [يُسْمَعُ) بالياء] (٢) وضَمِّها، فـ"الصُّمُّ" على هذه القراءةِ مَرْفُوعَةٌ؛ لأنَّ قولَه: (وَلَا يُسْمَعُ) (٣) لم يُسَمَّ فاعلُه، ومعناه على هذه القراءةِ: ولا يُسمِعُ اللهُ الصمَّ الدُّعاءَ.

قال أبو جعفرٍ: والصوابُ من القراءةِ عِندَنا في ذلك ما عليه قرَأَةُ الأمصارِ؛ لإجماعِ الحُجَّةِ من القرَأةِ عليه. ومعنى ذلك: ولا يُصْغِى الكافرُ باللَّهِ بسَمْعِ قلبِه إلى تَذَكُّرِ ما في وَحْيِ اللَّهِ مِنَ المواعظِ والذَّكْرِ، فيتذَكَّرَ به ويَعْتَبَرَ، فيتزجِرَ عمَّا هو عليه مُقيمٌ مِن ضلالِه إذا تُلِى عليه وأُريد به، ولكِنَّه يُعرِضُ عن الإعْتِبارِ به والتَّفكُّرِ فيه، فعلَ الأصمِّ الذي لا يَسْمَعُ ما يُقال له فيعملَ به.

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذِكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَلَا يَسْمَعُ


(١) جزء من الأثر المتقدم في الصفحة السابقة.
(٢) في النسخ: "تُسمع بالتاء".
قال القرطبي في تفسيره ١١/ ٢٩٢: وقرأ أبو عبد الرحمن السلمى ومحمد بن السميفع: (ولا يُسْمَع) بياء مضمومة وفتح الميم على ما لم يسم فاعله؛ (الصم) رفعًا أي إن الله لا يسمعهم. وقرأ ابن عامر والسلمي أيضًا وأبو حيوة ويحيى بن الحارث: "تُسمِع" بتاء مضمومة وكسر الميم؛ (الصُّمَّ) نصبًا، أي: إنك يا محمد لا تسمع الصمَّ الدعاءَ. وينظر البحر المحيط ٦/ ٣١٥، ٣١٦.
(٣) في م، ت ١: "تسمع". وينظر الحاشية السابقة.