للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعقابِ، وهو المنُعمُ عليكم بما خلَق لكم في الأرضِ، من مَعايشِكم وأدِلَّتِكم على وحدانيةِ ربِّكم. و ﴿كَيْفَ﴾ بمعنى التعجبِ والتوبيخِ، لا بمعنى الاستفهامِ، كأنه قال: ويْحَكُمْ كيفَ تكفرون باللهِ! كما قال: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [التكوير: ٢٦].

وحلَّ قولُه: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ﴾ محلَّ الحالِ، وفيه ضميرُ (١) "قد"، ولكنَّها حُذفت لما في الكلامِ من الدليلِ عليها، وذلك أن "فَعل" إذا حلَّت محلَّ الحالِ كان معلومًا أنها مُقتضيةٌ "قد"، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ [النساء: ٩٠] يعني: قد حَصِرتْ صدُورُهم. وكما تقولُ للرجلِ: أصبحتَ كَثُرَتْ ماشيتُك. تريدُ: قَدْ كثُرتْ ماشيتُك.

وبنحوِ ما قلنا في قولِه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ كان قتادةُ يقولُ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: حدَّثنا يزيدُ، قال: حدَّثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾: نَعَمْ واللهِ، سَخَّر لكم ما في الأرضِ (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾.

اختَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ قولِه: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾؛ فقال بعضُهم: معنى ﴿اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾: أقبلَ عليها. كما تقولُ: كان فلانٌ مُقبلًا على فلانٍ، ثم استوى عليَّ يُشاتمُني، واستوى إليَّ يُشاتمُني. يعني: أقبَل عليَّ وإليَّ


(١) الضمير هنا بمعنى التقدير. ينظر مصطلحات النحو الكوفي ص ١٤١.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٧٥ (٣٠٧) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٤٢ إلى عبد بن حميد. وينظر تاريخ دمشق ٧/ ٣٩٩.