للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿ذَلِكَ﴾: هذا الذي ذكرتُ لكم أنه كَفَّارةُ أيمانِكم مِن إطعامِ العَشَرةِ المساكينِ، أو كِسْوَتِهم، أو تحريرِ الرقبةِ، وصيامِ الثلاثةِ الأيامِ إذا لم تجِدوا من ذلك شيئًا - هو كفارةُ أيمانِكم التي عقدتموها إذا حلَفتُم، ﴿وَاحْفَظُوا﴾ أيها الذين آمنوا ﴿أَيْمَانَكُمْ﴾ أن تَحْنِثوا فيها، ثم تُضَيِّعوا الكفارةَ فيها، بما وَصَفْتُه لكم، ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾. كما بَيَّنَ لكم كفارةَ أيمانِكم، ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ جميع ﴿آيَاتِهِ﴾، يعنى: أعلامَ دينِه، فيوضِّحُها لكم؛ لئلا يقولَ المُضيِّعُ المُفَرِّطُ فيما ألزمه اللهُ: لم أعْلَمْ حُكْمَ اللهِ في ذلك. و ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ يقولُ: لتشكروا اللَّهَ على هدايتِه إياكم، وتوفيقِه لكم.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠)﴾.

وهذا بيانٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه للذين حرَّموا على أنفسِهم النساءَ والنومَ واللحمَ مِن أصحابِ النبيِّ ، تَشَبُّهًا منهم بالقِسيسينَ والرُّهبانِ، فأنزل اللهُ فيهم على نبيِّه كتابَه بنهْيهِم (١) عن ذلك، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة:٨٧]. فنهاهم بذلك عن تحريمِ ما أحلَّ اللهُ لهم من الطيباتِ، ثم قال: ولا تَعْتدوا أيضًا في حُدودى، فَتُحِلُّوا ما حَرَّمتُ عليكم، فإن ذلك لكم غيرُ جائزٍ، كما غيُر جائزٍ لكم تحريمُ ما حَلَّلْتُ، وإني لا أحبُّ المُعْتَدِين.

ثم أخبرهم عن الذي حَرَّمَ عليهم، مما إذا اسْتَحلوه وتقدَّموا عليه، كانوا مِن المَعْتدِين في حدودِه، فقال لهم: يا أيها الذين صَدَّقوا الله ورسولَه، إن الخمرَ التي تشرَبونها، والميسرَ الذي تَتَياسرونه، والأنصابَ التي تذبَحون عندَها، والأزلامَ التي


(١) في م: "ينهاهم".