للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه: قال الذين كفَروا باللهِ: أئنا لمُخْرَجون مِن قبورِنا أحياءً كهَيْئتِنا، مِن بعدِ مَماتِنا، بعدَ أن كُنَّا فيها ترابًا قد بَلِينا؟

﴿لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ﴾. يقولُ: لقد وُعِدْنا هذا مِن قبلِ محمدٍ؛ واعِدون وعَدوا ذلك آباءَنا، فلم نَرَ لذلك حقيقةً، ولم نَتَبَيَّنْ له صحةً، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾. يقولُ: قالوا: ما هذا الوعدُ إلا ما سَطَّر الأولون من الأكاذيب في كُتُبِهم، فأثْبَتوه فيها وتحدَّثوا به، مِن غيرِ أن يكونَ له صحةٌ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : قُلْ يا محمدُ لهؤلاء المُكذِّبين ما جئتَهم به مِن الأنباءِ مِن عندِ ربِّك: سِيروا في الأرضِ، فانظُروا إلى ديارِ مَن كان قبلكم مِن المُكذِّبين رسلَ اللهِ ومساكنِهم، كيف هي؟ ألم يُخْرِبُها الله، ويُهْلِكُ أهلها بتَكْذيبِهم رُسُلَهم، ورَدِّهم عليهم نصائحَهم، فخَلَتْ منهم الديارُ، وتَعَفَّت (١) منهم الرسومُ والآثارُ، فإن ذلك كان عاقبةَ إجْرامِهم، وذلك سُنَّةُ ربِّكم في كلِّ مَن سلَك سبيلَهم، في تَكْذيبِ رُسُلِ ربِّهم، واللهُ فاعلٌ ذلك بكم إن أنتم لم تُبادِروا الإنابةَ مِن كفرِكم، وتَكذيبِكم رسولَ ربِّكم.

وقولُه: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه

محمدٍ : ولا تحزنْ على إدْبارِ هؤلاء المشركين عنك، وتَكْذيبِهم لك، ﴿وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾. يقولُ: ولا يَضِقُ صدرُك مِن مَكْرِهم بك، فإن الله ناصرك عليهم، ومُهْلِكُهم قَتْلًا بالسيفِ.


(١) في ت ٢: "بقيت".