للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وزوجِه، وذلك لو كان على غيرِ الحقيقةِ، وكان على وجهِ التخييلِ والحُسبانِ، لم يكنْ تفريقًا على صحةٍ، وقد أخبَر اللهُ تعالى ذكرُه عنهم أنهم يفرِّقون على صحةٍ.

وقال آخرون: بل السحرُ أخْذٌ بالعينِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾.

وتأويلُ ذلك: وما يعلِّمُ الملَكان من أحدٍ مِن الناسِ الذى أُنزِل عليهما مِن التَّفريقِ بينَ المرءِ وزوجِه، حتى يقولا له: إنما نحن بلاءٌ وفتنةٌ لبنى آدمَ، فلا تكفُرْ بربِّك.

كما حدَّثنى موسى، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السدىِّ، قال: إذا أتاهما -يعنى هاروتَ وماروتَ- إنسانٌ يريدُ السحرَ، وعَظاه وقالا له: لا تكفُرْ، إنما نحن فتنةٌ. فإذا أبَى، قالا له: ائتِ هذا الرمادَ فبُلْ عليه. فإذا بال عليه خرَج منه نورٌ يسطَعُ حتى يدخُلَ السماءَ، وذلك الإيمانُ، وأقبَل (١) شيءٌ أسودُ كهيئةِ الدُّخَانِ حتى يدخُلَ في مسامعِه وكلِّ شيءٍ منه، فذلك غضبُ الله، فإذا أخبرَهما بذلك علَّماه السحرَ، فذلك قولُ الله: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ الآية (٢).

حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: حدَّثنا سعيدٌ، عن قتادةَ والحسنِ: ﴿حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾. قالا: أُخِذ عليهما ألَّا يعلِّما أحدًا حتى يقولا: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ (٣).


(١) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "قيل".
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ٢٠٦ عن السدى.
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١٠٣ إلى المصنف. وأخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ١٩٢ (١٠١١، ١٠١٢) من طريق عباد بن منصور عن الحسن، وأبى جعفر عن قتادة.