للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد اختلَف عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ والقائلون بقولِه، ووهبُ بنُ منبِّهٍ، فقال عبدُ اللهِ: كان سببُ تفقُّدِه الهدهدَ وسؤالِه عنه، ليَسْتَخبِرَه عن بُعدِ الماءِ في الوادى الذي نزَل به في مَسيرِه. وقال وهبُ بنُ منبِّهٍ: كان تَفَقُدُه إياه وسؤالُه عنه لإخلالِه بالنَّوْبةِ التي كان يَنُوبُها. واللهُ أعلمُ بأيِّ ذلك كان؛ إذ لم يأتِنا بأيِّ ذلك كان؛ في (١) تنزيلٍ، ولا خبرٍ عن رسولِ اللهِ صحيحٍ. فالصوابُ مِن القولِ في ذلك أن يقالَ: إن الله أخبَر عن سليمانَ أنه تَفَقَّد الطيرَ؛ إما للنَّوبةِ التي كانت عليها وأخلَّت بها، وإما لحاجةٍ كانت إليها عن بعدِ الماءِ.

وقولُه: ﴿فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾. يعنى بقولِه: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾: أخطأهُ بصرى، فلا أراه وقد حضَر، أم هو غائبٌ فيما غاب من سائرِ أجناسِ الخلقِ فلم يَحْضُرُ؟

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن بعضِ أهلِ العلمِ، عن وهبِ بن منبِّهٍ: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾: أخطأَه بصرى في الطيرِ، أم غاب فلم يَحْضُرْ (٢)؟

وقولُه: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾. يقولُ: فلما أُخْبِر سليمانُ عن الهدهدِ لم يَحْضُرْ، وأنه غائبٌ غيرُ شاهدٍ، أَقْسَم: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾.

وكان تَعذيبُه الطيرَ فيما ذُكِر عنه إذا عذَّبها، أن يَنْتِفَ رِيشَها.


(١) سقط من: م.
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره ٦/ ١٩٦.