للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾. قال: يَأْمُرُ بذكرِ اسمِه على الشرابِ والطعامِ والذبحِ، وكلُّ شيءٍ يَدُلُّ على ذكرِه يَأْمُرُ به (١).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩)﴾.

اخْتَلَف أهلُ العلمِ بكلامِ العربِ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا﴾؛ فقال بعضُ نحويِّي البصريين: معنى ذلك: وأيُّ شيءٍ لكم في ألّا تَأْكُلوا؟ قال: وذلك نظيرُ قولِه: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ﴾ [البقرة: ٢٤٦]. يقولُ: أيُّ شيءٍ لنا في تركِ القتالِ؟ قال: ولو كانت "أَنْ" (٢) زائدةً لارْتَفَع (٣) الفعلُ، ولو كانت في معنى: وما لنا وكذا. لكانت وما لنا وأن لا تُقاتِلَ.

وقال غيرُه: إنما دخَلَت "لا" للمنعِ؛ لأن تأويلَ "ما لك"، و "ما مَنعك" واحدٌ: ما منَعك لا تَفْعَلُ ذلك، وما لك لا تفعلُ. واحدٌ، فلذلك دخَلَت "لا".

قال: وهذا الموضعُ تَكونُ فيه "لا"، وتَكونُ فيه "أن" مثلَ قولِه: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] و "أن لا تَضِلُّوا": يَمْنَعُكم مِن الضلالِ بالبيانِ (٤).

وأولى القولين في ذلك بالصوابِ عندي قولُ مَن قال: معنى قولِه: ﴿وَمَا لَكُمْ﴾ في هذا الموضعِ: وأيُّ شيءٍ يَمْنَعُكم أن تَأْكُلوا مما ذُكِر اسمُ اللهِ عليه. وذلك أن اللهَ تعالى ذكرُه تقدَّم إلى المؤمنين بتَحْليلِ ما ذُكِر اسمُ اللهِ عليه، وإباحةِ أكلِ ما


(١) ينظر تفسير القرطبي ٧/ ٧٢، وفتح القدير ٢/ ١٥٦.
(٢) في م: "لا".
(٣) في النسخ: "لا يقع" وهو تحريف والصواب ما أثبت.
(٤) ينظر ما تقدم في ٤/ ٤٤٥.