للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ليُدخِلَنَّ اللهُ المقتولَ فى سبيلِه من المهاجرين والميتَ منهم ﴿مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ﴾. وذلك المُدخَلُ هو الجنةُ، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ﴾ بمن يهاجرُ في سبيلِه ممن يخرُجُ من دارِه طلبَ الغنيمةِ، أو عَرَضٍ من عرضِ الدنيا، ﴿حَلِيمٌ﴾ عن عُصاةِ خلقِه، بتركِه معاجلتَهم بالعقوبةِ والعذابِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠)﴾.

يعني تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿ذَلِكَ﴾: لهذا، لهؤلاء الذين هاجَروا في سبيلِ اللهِ ثم قُتلوا أو ماتوا، ولهم مع ذلك، أيضًا، أن الله يعِدُهم النصرَ على المشركين الذين بغَوا عليهم فأخرَجوهم من ديارِهم.

كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ في قولِه: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ﴾. قال: هم المشركون بغَوا على النبيِّ (١)، فوعَده اللهُ أن ينصُرَه، وقال في القِصاصِ أيضًا (٢).

وكان بعضُهم (٣) يزعُمُ أن هذه الآيةَ نزَلت في قومٍ من المشركين لقُوا قومًا من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرمِ، وكان المسلمون يكرَهون القتالَ يومئذٍ في الأشهرِ الحرمِ، فسأل المسلمون المشركين أن يكفُّوا عن قتالِهم من أجلِ حرمةِ الشهرِ، فأبَى المشركون ذلك، وقاتَلوهم فبغَوا عليهم، وثبَت المسلمون لهم، فنُصروا عليهم،


(١) بعده في ت ١، ف: "فأخرجوه":
(٢) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ٤/ ٣٦٩ إلى ابن المنذر.
(٣) هو مقاتل، وقوله هذا عزاه السيوطى في الدر المنثور ٤/ ٦٩٣ إلى ابن أبي حاتم.