قتَلَتْ نفسًا بغير حقٍّ، ﴿بِالنَّفْسِ﴾ يعنى: أن تُقْتَلَ النفسُ القاتلةُ بالنفسِ المَقْتولةِ. ﴿وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾ يقولُ: وفرَضْنا عليهم فيها أن يَفْقَئوا العينَ التي فقَأ صاحبُها مثلَها مِن نفسٍ أُخرى بالعينِ المفقوءةِ، ويُجْدَعَ الأَنفُ بالأنفِ، وتُقْطَعَ الأذنُ بالأذنِ، وتُقلَعَ السنُّ بالسنِّ، ويُقْتَصَّ مِن الجارحِ غيرَه ظُلْمًا للمَجْروحِ.
وهذا إخبارٌ مِن اللَّهِ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ عن اليهودِ، وتَعْزيةٌ منه له عن كفرِ مَن كفَر منهم به بعد إقْرارِه بنبوتِه، وإدْبارِه عنه بعدَ إقبالِه، وتعريفٌ منه له جَراءتَهم قديمًا وحديثًا على ربِّهم وعلى رسلِ ربِّهم، وتَقَدُّمَهم على كتابِ اللَّهِ بالتحريفِ والتَّبْديلِ.
يقولُ تعالى ذكرُه له: وكيف يَرْضَى هؤلاء اليهودُ يا محمدُ بحكمِك إذ جاءوا يُحَكِّمونك وعندَهم التوراةُ التي يُقِرُّون بها أنها كتابي ووحْيِى إلى رسولى موسى، فيها حُكْمى بالرجمِ على الزُّناةِ المُحْصَنِين، وقَضائي بينَهم أن مَن قتَل نفسًا ظلمًا فهو بها قَوَدٌ، ومَن فقَأ عينًا بغيرِ حقٍّ فعينُه بها مَفْقوءةٌ قِصاصًا، ومَن جدَع أَنْفًا فأنفُه به مَجْدوعٌ، ومَن قلع سِنًّا فسِنُّه بها مَقْلوعةٌ، ومَن جرَح غيرَه جُرْحًا فهو مُقْتَصٌّ منه مثلُ الجُرْحِ الذي جرَحه؟ ثم هم مع الحكم الذي عندَهم في التوراةِ مِن أحكامى يَتَوَلَّوْن عنه، ويَتْرُكون العملَ به. يقولُ: فهم بتركِ حكمِك، وبسُخْطِ قَضائِك بينَهم أخرَى وأَوْلَى.
وبنحوِ ما قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، قال: لمَّا رأَتْ قُرَيْظة النبيَّ ﷺ قد حكَم بالرجمِ، وكانوا يُخْفُونه في كتابِهم، نهَضَت قُرَيظةُ فقالوا: يا محمدُ، اقْضِ بينَنا وبينَ إخْوانِنا بنى النَّضيرِ. وكان بينهم دمٌ قبلَ قُدومِ