للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قلتُ: هذا القولُ أُولى الأقوالِ في تأويلِ ذلك بالصوابِ، على القراءةِ التي ذَكَرتُ؛ لأن ذلك أظهرُ معانِيه. وإذ (١) كان ذلك معناه، كان في الكلامِ محذوفٌ قد اسْتُغْنِيَ بدلالةِ ما ظهَر منه عنه. وذلك أن معنى الكلامِ: وما يَشعُرون أيَّانَ يُبعثون، بل يَشعُرون ذلك في الآخرة، فالكلامُ إذا كان ذلك معناه: وما يشعرُون أيَّان يُبْعَثون، بل أدرَك علمُهم ذلك (٢) في الآخرةِ، بل هم في الدنيا في شكٍّ منها.

وأمَّا على قراءةِ مَن قرَأه: ﴿بَلِ ادَّارَكَ﴾. بكسرِ اللامِ وتشديدِ الدالِ، فالقولُ الذي ذكرنا عن مجاهد، وهو أن يكون معنى "بل": أم. والعربُ تَضَعُ "أم" موضعَ بل"، وموضعَ "بل" "أم". إذا كان في أول الكلام استفهامٌ، كما قال الشاعرُ (٣):

فواللهِ ما أَدْرِى أَسَلْمَى تَغَوَّلَتْ … أم النومُ أم كلٌّ إلى حَبِيبُ

يعنى بذلك: بل كلٌّ إلى حبيبٌ. فيكونُ تأويلُ الكلامِ: وما يشعُرون أيَّانَ يُبْعَثون، بل تَدارَك علمُهم في الآخرةِ. بمعنى: تَتابَع علمُهم في الآخرةِ. أي: بعلمٍ الآخرةِ. أي: لم يَتَابَعْ بذلك ولم يعلَموه، بل غابَ علمُهم عنه، وضَلَّ فلم يَبْلُغوه ولم يُدْرِكوه.

وقولُه: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾. يقولُ: بل هؤلاء المُشرِكون الذين يَسْأَلُونك عن الساعةِ في شكٍّ مِن قيامِها، لا يُوقنون بها ولا يُصَدِّقون بأنهم مَبْعوثون من بعدِ الموتِ، ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾. يقولُ: بل هم مِن العلمِ بقيامِها عَمُون.

القولُ في تأويلِ قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨)﴾.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف: "إن".
(٢) في ص، م، ت ١، ف: "بذلك".
(٣) تقدم تخريجه في ٢/ ٤١٣.