للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السديِّ قولَه: ﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾. يقولُ: يَعْتَرِفُ بأمانتِه ما دُمْتَ قائمًا على رأسِه، فإذا قُمْتَ ثم جئتَ تَطْلُبُه، كافَرَك (١) الذي يُؤَدَّي والذي يَجْحَدُ (٢).

وأولى القَولَين بتأويلِ الآيةِ قولُ مَن قال: معنى ذلك: إلا ما دُمْتَ عليه قائمًا بالمطالبةِ والاقْتِضاءِ. مِن قولِهم: قام فلانٌ بحقى على فلانٍ (٣) حتى اسْتَخْرجه لي. أي: عمِل في تخليصِه، وسعَى في استخراجِه منه حتى اسْتَخْرَجَه؛ لأن اللَّهَ ﷿ إنما وصَفَهم باستحلالِهم أموالَ الأُمِّيِّين، وأن منهم مَن لا يَقْضِى ما عليه إلا بالاقْتِضاءِ الشديدِ والمُطالَبةِ، وليس القيامُ على رأسِ الذي عليه الدَّيْنُ بمُوجبٍ له النُّقْلَةَ عما هو عليه مِن اسْتِحلالِ ما هو له مُسْتَحِلٌّ، ولكن قد يكونُ - مع - استحلالِه الذَّهابَ بما عليه لربِّ الحقِّ - إلى اسْتِخْراجِه السبيلُ بالاقتضاءِ والمحاكمةِ والمُخاصَمةِ، فذلك الاقْتِضاءُ هو قيامُ ربِّ المالِ باسْتِخراجِ حقِّه ممَّن هو عليه.

القولُ في تأويل قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾.

يعنى بذلك جل ثناؤُه أن مَن اسْتَحَلَّ الخِيانةَ مِن اليهودِ، وجُحودَ حقوقِ العربيِّ التي هي له عليه، فلم يُؤَدِّ ما ائْتَمَنَه العربيُّ عليه إليه إلا ما دام له مُتَقاضِيًا مُطالِبًا، مِن أجلِ أنه يقولُ: لا حرَجَ علينا فيما أصْبْنا مِن أموالِ العربِ ولا إِثمَ؛ لأنهم على غير الحقِّ، وأنهم مُشْركون.

واخْتَلف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم نحوَ قولِنا فيه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا


(١) كافره حقَّه: جحده. اللسان (ك. ف. ر).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٨٣ (٣٧٠٩) من طريق أحمد بن المفضل به.
(٣) بعده في س: "إلى سنة".