والبَرَصَ لا علاجَ لهما فيَقْدرَ على إبرائِه ذو طبٍّ بعلاجٍ (١)، فكان ذلك مِن أدلتِه على صِدقِ قيلِه: إنه للهِ رسولٌ؛ لأنه مِن المعجزاتِ، مع سائرِ الآياتِ التي أعطاه اللهُ إياها دَلالةً على نبوَّتِه.
فأمَّا ما قال عكرمةُ، من أن الكَمَهَ العَمَشُ، وما قاله مجاهدٌ مِن أنه سوءُ البصرِ بالليلِ، فلا معنَى لهما؛ لأن الله لا يَحْتَجُّ على خلقِه بحجةٍ تَكُونُ لهم السبيلُ إلى معارضتِه فيها، ولو كان مما احْتَجَّ به عيسى على بني إسرائيلَ في نبوّتِه أنه يُبْرِئُ الأعْمَشَ، أو الذي يبصِرُ بالنهارِ ولا يبصرُ بالليلِ، لقَدَروا على معارضتِه بأن يَقُولوا: وما في هذا لك من الحُجةِ، وفينا خَلْقٌ ممن يُعَالِجُ ذلك وليسوا للهِ أنبياءَ ولا رسلًا؟ ففى ذلك دَلالةٌ بيِّنَةٌ على صحةِ ما قلنا مِن أن الأكمَهَ هو الأعمَى الذي لا يُبْصِرُ شيئًا، لا ليلًا ولا نهارًا، وهو بما قال قتادةُ من أنه المولودُ كذلك أشبهُ؛ لأن عِلاجَ مثلِ ذلك لا يدَّعيه أحدٌ مِن البشرِ إلا مَن أعطاه اللهُ مثلَ الذي أعطَى عيسى، وكذلك علاجُ الأبرصِ.
وكان إحياءُ عيسى الموتَى بدعاءِ اللهِ، يَدْعُو لهم، فيَسْتَجِيبُ له.
كما حدَّثني محمدُ بنُ سَهلِ بن عَسْكَرٍ، قال: ثنا إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريمِ، قال: ثنى عبدُ الصمدِ بنُ مَعْقِلٍ أنه سمِع وَهْبَ بنَ مُنَبِّهٍ يقولُ: لمّا صار عيسى ابنَ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ سَنةً، أَوْحَى اللهُ إلى أمِّه وهى بأرضِ مصرَ، وكانت هرَبت مِن قومِها حينَ ولَدته إلى أرضِ مصرَ: أن اطلُعى به إلى الشامِ. ففعَلت الذي أُمِرت به، فلم