للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى ذلك من وجهِ صرَفَه إلى حَصْرِه على أن معناه أنَّ القومَ طلَبوا معرفةَ وقتِ مجئِ الناسخِ لما قد أُحْكِمَ قبلَ ذلك.

وإنما قلْنا: إنَّ طَلَبَ القومِ معرفةَ الوقتِ الذي هو جاءٍ قبلَ مجيئِه، المحجوبِ عِلْمُه عنهم وعن غيرِهم بمتشابِهِ آيِ القرآنِ، أَوْلَى بتأويلِ قولِه: ﴿وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾؛ لما قد دلَّلْنا عليه قبلُ مِن إخبارِ اللهِ جل ثناؤُه أنَّ ذلك التأويلَ لا يَعلمُه إلا اللهُ، ولا شكَّ أن معنى قولِه: وقَضَيْنا وفَعَلْنا. قد عَلِم تأويلَه كثيرٌ من جَهَلةِ أهلِ الشركِ، فضلًا عن أهلِ الإيمانِ وأهلِ الرُّسوخِ في العلمِ منهم.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾.

يعنى جل ثناؤُه بذلك: وما يَعلَمُ وقتَ قيامِ الساعةِ، وانقضاءِ مدةِ أُكْلِ محمدٍ وأُمَّتِه، وما هو كائنٌ، إلا اللهُ، دون مَن سواه مِن البشرِ، الذين أمَّلُوا إدراك علمِ ذلك من قِبَلِ الحسابِ والتنجيمِ والكَهانةِ، وأمّا الرّاسخون في العلمِ فيقولون: آمنّا به كلٌّ من عند ربنا. لا يَعْلَمون ذلك، ولكنَّ فضلَ عليهم في ذلك على (١) غيرِهم، العلم (٢) بأنَّ الله بأنَّ الله هو العالمُ بذلك، دون مَن سواه مِن خلقِه.

واختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك، وهل "الرّاسخون" معطوفون (٣) على اسمِ "اللهِ"، بمعنى إيجابِ العلمِ لهم بتأويلِ المتشابِهِ، أم هم مُستأنفٌ ذِكْرُهم بمعنى الخبرِ عنهم أنَّهم يقولون: آمنَّا بالمتشابِهِ، وصدَّقْنا أنَّ علمَ ذلك لا يعلمُه إلا اللهُ؟ فقال


(١) في ت ٢: "إلى".
(٢) سقط من: ت ٢.
(٣) في م: "معطوف".