للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: والله (١) ذو العزةِ التي لا يمتنِعُ عليه معها عقوبةُ هؤلاء المشركين الذين وصَف صفتَهم في هذه الآياتِ، ولا عقوبةُ من أراد عقوبتَه على معصيتِه إيَّاه، ولا يتعذَّرُ عليه شيءٌ أراده وشاءه؛ لأن الخلقَ خلقُه، والأمرَ أمرُه، الحكيمُ في تدبيرِه، فلا يدخُلُ تدبيرَه خَلَلٌ ولا خطأٌ.

القولُ في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١)﴾.

يقول تعالى ذكرُه: ولو يُؤاخِذُ اللهُ عصاةَ بنى آدمَ بمعاصيهم ﴿مَا تَرَكَ عَلَيْهَا﴾. يعنى: على الأرضِ، ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾ تدِبُّ عليها، ﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ﴾. يقولُ: ولكنَّه بحلمِه يؤخِّرُ هؤلاء الظلمةَ، فلا يعاجِلُهم بالعقوبةِ، ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾. يقولُ: إلى وقتِهم الذي وَقَّت لهم، ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾. يقولُ: فإذا جاء الوقتُ الذي وَقَّت لهلاكِهم، ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عن الهلاكِ ﴿سَاعَةً﴾ الله فيُمْهَلون، ﴿وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ قبلَه (٢) حتى يستوفُوا آجالَهم.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ، قال: ثنا سفيانُ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحوصِ، قال: كاد الجُعَلُ (٣) أن يُعذِّبَ بذنبِ بنى آدمَ. وقرأ:


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "لله".
(٢) في م: "له".
(٣) الجعل: حيوان كالخنفساء. النهاية ١/ ٢٧٧.