للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أصابِعهم (١).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١١٩)﴾.

يعنى بذلك جلّ ثناؤه: قلْ يا محمدُ لهؤلاء اليهودِ الذين وصَفتُ لك صفتَهم، وأخبَرتُك أنهم إذا لَقُوا أصحابَك قالوا: آمَنَّا. وإذا خَلَوا عَضُّوا عليكم الأناملَ من الغيظِ -: ﴿مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾. [أى: موتُوا بالغَيظِ] (٢) الذى بكم على المؤمنين؛ لاجتماعِ كلمتِهم، وائتلافِ جماعتِهم.

وخَرَج هذا الكلامُ مَخْرجَ الأمرِ، وهو دعاءٌ مِن اللهِ نبيَّه محمدًا بأن يَدْعُوَ عليهم بأن يُهْلِكَهم اللهُ ﷿ كَمَدًا مما بهم من الغَيْظِ على المؤمنين، قبل أن يَرَوا فيهم ما يَتَمَنَّون لهم من العَنَتِ في دينِهم، والضلالةِ بعدَ هُداهم، فقال لنبيِّه : قل يا محمدُ: اهلِكوا بغَيْظِكم، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾. يعنى بذلك: إن اللهَ ذو علمٍ بالذي في صُدورِ هؤلاءِ الذين إذا لَقُوا المؤمنين قالوا: آمَنَّا. وما يَنْطَوون عليه لهم من الغِلِّ والغِمْرِ (٣)، ويَعْتَقِدون لهم من العَداوةِ والبَغْضاءِ، وبما في صدورِ جميعِ خلقِه، حافِظٌ على جميعِهم ما هو عليه مُنْطَوِ من خيرٍ وشَرٍّ، حتى يُجازِىَ جميعَهم على ما قدَّم من خيرٍ وشرٍّ، واعتقد من إيمانٍ وكفرٍ، وانطَوى عليه لرسولِه وللمؤمنين من نصيحةٍ أو غِلٍّ وغمْرٍ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (١٢٠)﴾.

يعني بقولِه جل ثناؤه: ﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾: إِن تَنالُوا أَيُّها


(١) أخرجه ابن أبي حاتم ٣/ ٧٤٦ (٤٠٥٤) من طريق أبي إسحاق به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٦٦ إلى ابن المنذر.
(٢) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٣) الغمر، بكسر الغين: الحقد. النهاية ٣/ ٣٨٤.