للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَصَف صفتَهم مِن المنافقين بعدَ توبتِهم وإصلاحِهم، واعتصامِهم باللهِ، وإخلاصِهم دينَهم (١)، ﴿مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ في الجنةِ، لا مع المنافقين الذين ماتوا على نفاقِهم، الذين أوعَدَهم الدَّرْكَ الأسفلَ مِن النارِ.

ثم قال: ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾. يقولُ: وسوف يُعْطِى اللهُ هؤلاء الذين هذه صفتُهم، على تَوْبتِهم وإصلاحِهم، واعتصامِهم باللهِ، وإخلاصِهم دينَهم له؛ على إيمانِهم، ثوابًا عظيمًا، وذلك درجاتٌ في الجنةِ، كما أعطَى الذين ماتوا على النفاقِ منازلَ في النارِ، وهى السفلَى منها؛ لأن الله جلّ ثناؤه وَعَد عبادَه المؤمنين أن يُؤتِيَهم على إيمانِهم ذلك، كما أوعَد المنافقين على نفاقِهم ما ذكَر في كتابِه.

وهذا القولُ هو معنى قولِ حُذَيفةَ بن اليمانِ الذي حدَّثنا به ابن حُميدٍ وابنُ وكيعٍ، قالا: ثنا جَرِيرٌ، عن مُغِيرةَ، عن إبراهيمَ، قال حُذَيفةُ: لَيَدْخُلَنَّ الجنةَ قومٌ كانوا منافقين. فقال عبدُ اللهِ: وما عِلْمُك بذلك؟ فَغَضِب حُذَيْفَةُ، ثم قامَ فَتَنَحَّى، فلما تَفَرَّقوا، مَرَّ به علقمةُ فدَعَاه، فقال: أمَا إن صاحبَك يَعْلَمُ الذي قلتُ. ثم قرَأ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦)﴾.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧)﴾.

يعنى جلّ ثناؤُه بقولِه: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾: ما يَصْنَعُ اللهُ، أيُّها المنافقون، بعذابِكم، إن أنتم تُبْتُم إلى اللهِ،


(١) في ص، ت ١: "دينهم أي"، وفى م، ت ٢، ت ٣، س: "له".