للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأويلِ ذلك إلا أحدُ القولين اللذين وصَفْتُ، ثم كان أحدُهما غيرَ موجودةٍ على صحتِه الدَّلالةُ مِن الوجهِ الذى يَجِبُ التسليمُ له -صَحَّ الوجهُ الآخرُ. والذى حُكِى عن الحسنِ وقتادةَ ومَن قال بقولِهما في تأويلِ ذلك، غيرُ موجودةٍ الدَّلالة على صحتِه من الكتابِ، ولا من خبرٍ تجبُ به حجةٌ. والذى قاله ابنُ عباسٍ يَدلُّ على صحتِه خبرُ الله عن إبليسَ وعِصْيانِه إياه، إذ دعاه إلى السجودِ لآدم فأبَى واسْتَكْبَر، وإظهارُه لسائرِ الملائكةِ مِن معصيتِه وكِبْرِه ما كان له كاتمًا قبلَ ذلك.

فإن ظَنَّ ظانٌّ أن الخبرَ عن كِتمانِ الملائكةِ ما كانوا يَكْتُمون، لمَّا كان خارجًا مَخْرَجَ الخبرِ عن الجميعِ، كان غيرَ جائزٍ أن يكونَ ما رُوِى في تأويلِ ذلك عن ابنِ عباسٍ ومَن قال بقولِه، مِن أن ذلك خبرٌ عن كِتْمانِ إبليسَ الكبْرَ والمعصيةَ، صحيحًا، فقد ظَنَّ غيرَ الصوابِ. وذلك أن مِن شأنِ العربِ إذا أخْبَرَتْ خبرًا عن بعض جماعةٍ بغيرِ تسميةِ شخصٍ بعينِه أن تُخْرِجَ الخبرَ عنه مُخرَجَ الخبرِ عن الجميعِ، وذلك كقولِهم: قُتِل الجيشُ وهُزِموا. وإنما قُتِل الواحدُ أو البعضُ، وهُزم الواحدُ أو البعضُ، فتُخْرِجُ الخبرَ عن المهزومِ منهم والمقتولِ مُخْرَجَ الخبرِ عن جميعِهم، كما قال تعالى ذكرُه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحجرات: ٤]. ذُكِر أن الذي نادَى رسولَ الله فنزَلَت هذه الآيةُ فيه، كان رجلًا مِن جماعةٍ مِن بني تَميمٍ، كانوا قدِموا على رسولِ الله (١). فأخْرَج الخبرَ عنه مُخْرَجَ الخبرِ عن الجماعةِ، فكذلك قولُه: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾. أخْرَج الخبرَ مُخْرَجَ الخبرِ عن الجميعِ، والمرادُ به الواحدُ منهم.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا


(١) سيأتي تخريجه في سورة الحجرات.