للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)﴾.

قال أبو جعفرٍ: أما قولُه ﷿: ﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾. فمعطوفٌ على قولِه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ﴾. كأنه قال لليهودِ الذين كانوا بينَ ظهرانَيْ مُهاجَرِ رسولِ اللهِ من بنى إسرائيلَ، مُعَدِّدًا عليهم نعمَه، ومُذَكِّرَهم آلاءَه، على نحوِ الذي قد وصَفْنا فيما مضَى قبلُ -: اذْكُروا فِعْلى بكم إذ أنْعَمْتُ عليكم، فخلَقْتُ لكم ما في الأرضِ جميعًا، وإذ قلتُ للملائكةِ إني جاعِلٌ في الأرضِ خليفةً، فكرَّمْتُ أباكم آدمَ بما آتَيْتُه مِن عِلْمى وفَضْلي وكَرامتي، وإذ أسْجَدتُ له مَلائِكتي فسجَدوا له. ثم اسْتَثْنى مِن جميعِهم إبليسَ، فدلَّ باستثنائِه إياه منهم على أنه منهم، وأنه ممَّن قد أُمِر بالسجودِ معهم، كما قال تعالى ذكرُه: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: ١١: ١٢]. فأخبر جل ثناؤه أنه قد أمَر إبليسَ في من أمَره مِن الملائكةِ بالسجودِ لآدمَ، ثم اسْتَثْناه مما أخْبَر عنهم أنهم فعَلوه مِن السجودِ لآدمَ، فأخْرَجه مِن الصفةِ التى وصَفهم بها مِن الطاعةِ لأمرِه، ونفَى عنه ما أثْبَته لملائكتِه مِن السجودِ لعبدِه آدمَ.

ثم اخْتَلَف أهلُ التأويلِ فيه؛ هل هو مِن الملائكةِ أم هو مِن غيرِهم؟ فقال بعضُهم بما حدَّثنا به أبو كَرَيْبٍ، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضَّحَّاكِ، عن ابنِ عباسٍ، قال: كان إبليسُ مِن حيٍّ مِن أحياءِ الملائكةِ يقال لهم: الجِنُّ. خُلِقوا مِن نارِ السَّمومِ مِن بينِ الملائكةِ. قال: وكان اسمُه الحارثَ. قال: وكان خازنًا مِن خُزَّانِ الجنةِ. قال: وخُلِقَت الملائكةُ مِن نورٍ غيرَ هذا الحيِّ قال: وخُلِقَت الجِنُّ الذين ذُكِروا في القرآنِ مِن مارجٍ مِن نارٍ؛ وهو لسانُ النارِ الذي يَكونُ في طَرَفِها إذا الْتَهَبَت (١).


(١) تقدم بتمامه في ص ٤٨٢.