للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ [المزمل: ١]. يعني: المُتَزمِّلُ (١). وقرَأ ابنُ كثيرٍ وعاصمٌ: (إِنَّ المُصَدِّقين والمُصَدِّقاتِ) بتخفيفِ الصادِ، وتشديدِ الدَّالِ، بمعنى: إنَّ الذين صدَّقوا اللَّهَ ورسولَه (٢).

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ عندي أن يقالَ: إنهما قراءتان معروفتان، صحيحٌ معنى كلِّ واحدةٍ منهما، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.

فتأويلُ الكلامِ إذن على قراءةِ من قرَأ ذلك بالتشديدِ في الحرفين - أعنى في الصادِ والدَّال -: إن المتصدِّقين مِن أموالِهم والمتصدِّقاتِ، ﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ بالنفقةِ في سبيلِه، وفيما أَمَر بالنفقةِ فيه، أو فيما نَدَب إليه - ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾. يقولُ: يُضاعِفُ اللَّهُ لهم قروضَهم التي أَقْرَضوها إيَّاه، فيُوفِّيهم ثوابَها يومَ القيامةِ، ﴿وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾. يقولُ: ولهم ثوابٌ مِن اللَّهِ على صِدْقِهم وقُروضِهم إيَّاه - كريمٌ، وذلك الجنةُ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٩)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: والذين أقرُّوا بوحدانيةِ اللَّهِ وإرسالِه رسلَه، فصدَّقوا الرسلَ وآمَنوا بما جاءُوهم به مِن عندِ ربِّهم - أولئك هم الصِّدِّيقون.

وقولُه: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾. اختلَف أهلُ التأويلِ في ذلك؛ فقال بعضُهم: قولُه (٣): ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ منفصلٌ مِن الذي قَبلَه، والخبرُ عن الذين


(١) هي قراءة نافع وابن عامر وأبي عمرو وحمزة والكسائي، وحفص عن عاصم. السبعة ص ٦٢٦.
(٢) هي قراءة ابن كثير، وأبي بكر عن عاصم. المصدر السابق.
(٣) سقط من: م.