للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى التأويلين في ذلك بالصوابِ تأويلُ من تأوَّله فَعيلةً (١) مِن القَسْوةِ، كما قيل: نفسٌ زَكيَّةٌ وزاكيةٌ، وامرأةٌ شاهدةٌ وشهيدةٌ؛ لأن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه وصَف القومَ بنقْضِهم ميثاقَهم، وكفرِهم به، ولم يَصِفُهم بشيءٍ مِن الإيمانِ فتكونَ قلوبُهم مَوْصوفةً بأن إيمانَها يُخالِطُه (٢) كفرٌ، كالدَّراهمِ القَسِيَّةِ التي يُخالِطُ فضَّتَها غشٌّ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾.

يقولُ عزَّ ذكرُه: وجعَلْنا قلوبَ هؤلاء الذين نقَضُوا عهودَنا مِن بنى إسرائيلَ قسِيَّةً، مَنْزوعًا منها الخيرُ، مرفوعًا منها التوفيقُ، فلا يُؤْمِنون، ولا يَهْتَدون، فهم لنزعِ اللَّهِ ﷿ التوفيقَ مِن قلوبِهم والإيمانَ، يُحرِّفون كلامَ ربِّهم الذي أنْزَله على نبيِّهم موسى ، وهو التوراةُ، فيُبَدِّلونه ويَكْتُبون بأيدِيهم غيرَ الذي أنْزَلَه اللَّهُ جلَّ وعزَّ على نبيِّهم، ثم (٣) يقولون لجُهَّالِ الناسِ: هذا هو كلامُ اللَّهِ الذي أَنْزَله على نبيِّه موسى ، والتوراةُ التي أوْحاها إليه. وهذا مِن صفةِ القرونِ التي كانت بعدَ موسى مِن اليهودِ، ممَّن أدْرَك بعضُهم عصرَ نبيِّنا محمدٍ ، ولكنَّ اللَّهَ عزَّ ذكرُه أَدْخَلَهم في عِدَادِ الذين ابْتَدَأَ الخبرَ عنهم، ممَّن أدْرَك موسى منهم، إذ كانوا مِن أبنائِهم، وعلى مِنهاجِهم في الكذبِ على اللَّهِ، والفِرْيةِ عليه، ونَقْضِ المَواثِيقِ التي أخَذَها عليهم في التوراةِ.

كما حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، قال: ثنى مُعاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾. يعنى: حُدودَ اللَّهِ في التوراةِ، ويقولون: إنْ أمَرَكم محمدٌ بما أنتم عليه فاقْبَلُوه، وإن خالَفكم فاحْذَروا (٤).


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "فعلية".
(٢) في ص، ت ١، س: "يخالطها"، وفى ت ٢: "تخالطها".
(٣) في م: "و".
(٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٦٨ إلى المصنف.