للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بجميعِ (١) ما قد كان، وما هو كائنٌ، والعالمُ للغُيوبِ دون جميعِ خلقِك. وذلك أنهم نفَوْا عن أنفسِهم بقولِهم: ﴿لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾. أن يكونَ لهم علمٌ إلا ما علَّمهم ربُّهم، وأثْبَتوا ما نَفَوْا عن أنفسِهم مِن ذلك لربِّهم بقولِهم: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾. يَعْنون بذلك العالمَ مِن غيرِ تعليمٍ، إذ كان مَن سواك لا يَعْلَمُ شيئًا إلا بتعليمِ غيرِه إياه.

﴿الْحَكِيمُ﴾: هو ذو الحِكْمةِ، كما حدَّثنى به المُثَنَّى، قال: حدَّثنا عبدُ اللهِ، قال: حدَّثنى معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابنِ عباسٍ: العليمُ الذى قد كمُل في علمِه، والحكيمُ الذى قد كمُل في حِكْمتِه (٢).

وقد قيل: إن معنى ﴿الْحَكِيمُ﴾ الحاكمُ، كما (٣) العليمُ بمعنى العالمِ، والخبيرُ بمعنى الخابرِ.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.

قال أبو جعفرٍ: إن اللهَ تعالى ذكرُه عرَّف ملائكتَه الذين سأَلوه أن يَجْعَلَهم الخلفاءَ في الأرضِ ووصَفوا أنفسَهم بطاعتهِ والخضوعِ لأمرِه، دون غيرِهم الذين يفْسِدون فيها ويَسْفِكون الدماءَ - أنهم مِن الجهلِ بموَاقعِ تدْبيرِه ومحَلِّ قَضائِه، قبلَ إطْلاعِه إياهم عليه، على نحوِ جهلِهم بأسماءِ الذين عرَضهم عليهم، إذ كان ذلك مما لم يُعَلِّمْهم فيَعْلَموه، وأنهم وغيرَهم مِن العبادِ لا يَعْلَمون مِن العلمِ إلا ما


(١) في الأصل: "لجميع".
(٢) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره -كما في مجموع الفتاوى ١٧/ ٢٢٠ - وأبو الشيخ في العظمة (٩٨) من طريق عبد الله بن صالح به مطولا. وسيأتى في تفسير قوله: ﴿الصَّمَدُ﴾.
(٣) بعده في م: "أن".