للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأَخْدُود﴾ [البروج: ٤]. واحدٌ، وهو بمعنى التَّعَجُّبِ.

فإن كان الذي قالوا كما قالوا، فهو من نادر الكلام الذي جاء على غيرِ القياس؛ لأن "فاعلتُ" لا تكادُ أن تَجِيءَ فِعْلًا إلا من اثنين، كقولهم: خاصمتُ فلانا وقاتلته. وما أشبه ذلك، وقد زَعَموا أن قولهم: عافاك الله. منه، وأن معناه: أعْفاك الله. بمعنى الدعاءِ لَمَن دَعا له بأن يُعْفِيه مِن السوء.

وقوله: ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾. يقولُ: أَي وَجْهِ يُذْهَبُ بهم ويُحدُّونَ (١)؟ وكيف يَصِدُّون عن الحقِّ؟ وقد بَيَّنَّا ذلك بشواهده فيما مضى قبل (٢).

القول في تأويل قوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)﴾.

يقولُ جلّ ثناؤه: اتَّخذ اليهودُ أحبارهم، وهم العلماءُ - وقد بينت تأويل ذلك بشواهدِه فيما مَضَى مِن كتابنا هذا قبل (٣) - واحِدُهم حِبْرٌ وحَبْرٌ بكسر الحاء منه وفتحها.

وكان يونس النحويُّ (٤) - فيما ذُكر عنه - يَزْعُمُ أنه لم يَسْمَعْ ذلك إلا حِبْرٌ بكسر الحاء. ويَحْتَجُّ بقول الناسِ: هذا مِدادُ حِبْرٍ. يراد به: مِداد عالِم.

وذَكَر الفَرَّاءُ أنه سمعه حِبْرًا وحَبْرًا، بكسر الحاء وفتحها.


(١) في م: "يحيدون"، وفي ت ١، ت ٢، س: "يجدون"، وفى ف: "يجيدون". ومعنى: يُحَدّون: يمنعون ويصرفون عن الخير. ينظر اللسان (ح د د)، ومجاز القرآن ١/ ١٧٤، ٢٥٧.
(٢) ينظر ما تقدم في ٨/ ٥٨٤.
(٣) في م: "قيل". وينظر ما تقدم في ٨/ ٤٥٣.
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "الحرمي"، وفى م: "الجرمي". وينظر ما تقدم في ٨/ ٢٤٥.