للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعنَى قولِه جل ثناؤُه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾: لا يُكْرَهُ أحدٌ في دينِ الإسلامِ عليه. وإنما أُدْخِلَت الألفُ واللامُ في الدينِ تَعْريفًا (١) للدينِ الذي عنَى اللَّهُ بقولِه: لا إكراهَ فيه. وأنه هو الإسلامُ. وقد يَحتمِلُ أن تكونا (٢) أُدْخِلنَا عَقِيبًا من الهاءِ المَنْوِيَّةِ في "الدينِ"، فيكونُ معنى الكلامِ حينئذٍ: وهو العليُّ العظيمُ، لا إكراهَ في دينِه، قد تَبَيَّنُ الرُّشْدُ مِن الغَيِّ. وكان هذا القولَ أشبهُ بتأويلِ الآيةِ عندي.

وأما قولُه جل ثناؤه: ﴿قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾. فإنه مصدرٌ من قولِ القائلِ: رَشَدْتُ فأنا أَرْشُدُ رُشْدًا ورشَدا ورَشَادًا، وذلك إذا أصاب الحقَّ والصوابَ.

وأما "الغَيُّ"، فإنه مصدرٌ من قولِ القائلِ: قد غَوَى فلانٌ فهو يَغْوِى غَيًّا وغَوايةً. وبعضُ العربِ يقولُ: غَوِيَ فلانٌ يَغْوَى. والذي عليه قراءةُ القرأةِ: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ٢]. بالفتحِ، وهي أفصحُ اللُّغَتَين، وذلك إذا عدا الحقَّ وتجاوزَه فضَلَّ.

فتأويلُ الكلامِ إذن: قد وَضَح الحقُّ من الباطلِ، واستبان لطالبِ الحقِّ والرَّشادِ وجهُ مَطْلَبِه، فتَمَيَّزَ من الضَّلالةِ والغَوايةِ، فلا تُكْرِهُوا أحدًا (٣) من أهلِ الكتابَين ومَن أَبَحْتُ لكم أَخْذَ الجِزْيةِ منه، على دينِكم دينِ الحقِّ، فإنَّ مَن حادَ عن الرَّشادِ بعدَ استبانتِه له، فإلى ربِّه أمرُه، وهو وليُّ عُقوبتِه في مَعادِه.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ﴾.

اختلَف أهلُ التأويلِ في معنى "الطاغوتِ"؛ فقال بعضُهم: هو الشيطانُ.


(١) في ص: "تصريفًا".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "تكون".
(٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.