للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكتابُ فيهم أجله، ويوقظهم من رقدتهم قدرتهُ وسلطانُه في الوقت الذي أراد أن يجعَلَهم عبرةً لمن شاء من خلقه، وآيةٌ لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده؛ ﴿لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ [الكهف: ٢١].

واختلفت القرأةُ في قراءة قوله: ﴿وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾؛ فقرَأَتُه عامةُ قَرَأَةِ المدينة بتشديد اللام من قوله: (ولَمُلِّئتَ). بمعنى أنه كان يمتَلئُ مرَّةً بعد مرَّةٍ. وقرأ ذلك عامةُ قَرَأةِ العراقِ: ﴿وَلَمُلِئْتَ﴾. بالتخفيف، بمعنى: لمُلِئتَ مرَّةً (١). وهما عندنا قراءتان مُستفيضتان في القراءةِ، مُتقارِبتا المعنى، فبأيَّتِهما قرأ القارئُ فمُصِيبٌ.

القولُ في تأويل قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (٢٠)﴾.

يقول تعالى ذكره: كما أرْقَدْنا هؤلاء الفتية في الكهف، فحفظناهم من وُصول واصل إليهم، وعين ناظرٍ أن يَنْظُرَ إليهم، وحفظنا أجسامهم من البلى (٢) على طُولِ الزمانِ، وثيابهم من العفَنِ على مرِّ الأيام بقُدرتنا، فكذلك بعثناهم من رقدتهم، وأيقظناهم من نومهم (٣)؛ لنُعرِّفَهم عظيم سُلطاننا، وعجيب فعلنا في


(١) قرأ ابن كثير ونافع: (ولملئت) مشددة، وقرأ عاصم وابن عامر وأبو عمرو وحمزة والكسائي: ﴿وَلَمُلِئْتَ﴾ خفيفة. وروى إسماعيل بن مسلم عن ابن كثير: ﴿وَلَمُلِئْتَ﴾ له خفيفة. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٣٨٩.
(٢) في م: "البلاء".
(٣) في ت ٢: "نومتهم".