للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾.

وهذا الحكمُ مِن اللَّهِ تعالى ذكرُه إبانةٌ عن قولِه: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾. وتأويلُ ذلك: لا جُناحَ عليكم أيُّها الناسُ إن طلَّقْتُم النساءَ ما لم تمسُّوهنَّ (١) وقد فرَضْتُم لهن فريضةً، فلهن عليكم نصفُ ما كنتُم فرَضتُم لهن مِن قبلِ طلاقِكم إياهن. يعني بذلك: فلهن عليكم نصفُ ما أَصْدَقْتُموهن.

وإنما قلْنا: إن تأويلَ ذلك كذلك؛ لِما قد قدَّمنا البيانَ عنه مِن أن قولَه: ﴿أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾. بيانٌ مِن اللَّهِ تعالى ذكرُه لعبادِه حكمَ غيرِ المفروضِ لهن (٢) إذا طلَّقَهن قبلَ المَسِيسِ. فكان معلومًا بذلك أن حكمَ اللَّواتي عطَف عليهن بـ ﴿أَوْ﴾ غيرُ حكمِ المعطوفِ بهن بها.

وإنما كرَّر تعالى ذكرُه قولَه: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾. وقد مضَى ذكرُهن في قولِه: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾. لِيَزولَ الشكُّ عن سامِعِيه واللَّبْسُ عليهم، مِن أن يَظُنُّوا (٣) أن التي حكمُها الحكمُ الذي وصَفَه في هذه الآيةِ، هي غيرُ التي ابْتَدَأ بذكرِها وذكرِ حكمِها في الآيةِ التي قبلَها.

وأما قولُه: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾. فإنه يعني: إلا أن يَعْفُوَ اللَّواتي وجَب لهن عليكم نصفُ تلك الفريضةِ، فيَتْرُكْنه لكم ويَصْفَحْنَ لكم عنه؛ تَفَضُّلًا منهن بذلك


(١) في ص: "تماسوهن".
(٢) في ص، ت ٢: "لمن".
(٣) بعده في ص، ت ١، ت ٢: "من".