للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجَّه ذلك آخرون إلى معنى التخييرِ، وقالوا: إنما عنَى بالشَّهادةِ في هذا الموضعِ الأيْمانَ على الوصيةِ التي أوْصَى إليهما، وائتمانَ الميتِ إياهما على ما ائْتَمَنهما عليه مِن مالٍ ليُؤَدِّياه إلى ورثتِه بعدَ وفاتِه، إن ارْتِيب بهما قالوا: وقد يَتَّمِنُ (١) الرجلُ على مالِه مَن رآه موضعًا للأمانةِ، مِن مؤمنٍ وكافرٍ، في السفرِ والحضرِ.

وقد ذكَرْنا الروايةَ عن بعضِ مَن قال هذا القولَ فيما مضَى (٢)، وسنَذْكُرُ بقيتَه إن شاء اللهُ تعالى بعدُ.

القولُ في تأويلِ قولِه عز ذكرُه: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه للمؤمنين به وبرسولِه: شهادةُ بينِكم إذا حضَر أحدَكم الموتُ، إن شهِد اثنان ذوا عدلٍ منكم، أو كان أوْصَى إليهما، أو آخَران مِن غيرِكم، إن كنتم في سفرٍ فحضَرَتْكم المنيّةُ، فأَوْصَيْتُم إليهما، ودفَعْتُم إليهما ما كان معكم من مالٍ وتَرِكةٍ لوَرَثتِكم، فإذا أنتم أوصَيْتُم إليهما، ودفَعْتُم إليهما ما كان معكم مِن مالٍ، فأصابَتْكم مصيبةُ الموتِ، فأدَّيا إلى ورثتِكم ما اتَّمنْتُموهما، وادَّعَوْا عليهما خِيانةً خاناها مما اتُّمِنا عليه، فإن الحكمَ فيهما حينَئذٍ أن تَحْبِسوهما. يقولُ: تَسْتَوْقِفونهما بعدَ الصلاةِ.

وفى الكلامِ محذوفٌ اجْتُزِئ بدلالةِ ما ظهرَ منه على ما حُذِف، وهو: فأصابتكم مصيبةُ الموتِ، وقد أسْنَدْتُم وصيتَكم إليهما، ودفَعْتُم إليهما ما كان معكم من مالٍ، فإنكم تَحْبِسونهما من بعدِ الصلاةِ.


(١) في م: "يأمن". وهما بمعنًى.
(٢) ينظر ما تقدم في ص ٦٧ وما بعدها.