للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)

قال أبو جعفرٍ : يعنى بقولِه جل ثناؤه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾. أفلا يَتَدبَّرُ (١) المُبَيِّتون غيرَ الذي تقولُ لهم يا محمدُ، كتابَ اللهِ، فيَعْلَموا حُجَّةَ اللهِ عليهم في طاعتِك واتِّبَاعِ أمرِك، وأن الذي أتيتَهم به من التنزيلِ مِن عندِ ربِّهم؛ لاتِّساقِ معانِيه، وائتلافِ أحكامِه، وتأيِيدِ بعضِه بعضًا بالتصديقِ، وشهادةِ بعضِه لبعضٍ بالتَّحْقيقِ، فإنَّ ذلك لو كان مِن عندِ غيرِ اللهِ لاختَلَفَت أحكامُه، وتناقضَت معانيه، وأبان بعضُه عن فسادِ بعضٍ.

كما حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾: أي قولُ اللهِ لا يَختلفُ، وهو حقٌّ ليس فيه باطلٌ، وأن قولَ الناسِ يَخْتَلِفُ (٢).

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وَهْبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: إن القرآنَ لا يُكذِّبُ بعضُه بعضًا، ولا يَنْقُضُ بعضُه بعضًا، ما جَهِل الناسُ مِن أمرٍ (٣)، فإنما هو من تقصيرِ عقولِهم وجَهالتِهم. وقرَأ: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ قال: فحَقٌّ على المؤمِنِ أن يقولَ: كلٌّ مِن عندِ اللهِ. ويُؤْمِنَ بالمُتَشابهِ، ولا يضرِبَ بعضَه ببعضٍ، إذا جَهِل أمرًا ولم يَعرِفْه أن يقولَ: الذي قال اللهُ حَقٌّ. ويَعرِفَ أن الله تعالى لم يَقُلْ قولًا ويَنقُضَه، ينبغى أن يُؤْمِنَ بحقيقةِ ما جاء مِن عندِ اللهِ


(١) في الأصل: "يتدبرون". وهي لغة.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ١٠١٣ (٥٦٧٩) من طريق يزيد به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٨٦ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٣) في م، ت ٢، ت ٣، س: "أمره".