للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: "القَطعُ في رُبُعِ دينارٍ فصاعدًا". وقد استَقْصيتُ ذكرَ أقوالِ المختلفين في ذلك مع عللِهم التي اعتَلُّوا بها لأقوالِهم، والبيانَ (١) عن أَوْلاها بالصوابِ بشواهِدِه في كتابِنا "كتابِ السرقةِ"، فكَرِهنا إطالةَ الكتابِ بإعادةِ ذلك في هذا الموضِعِ.

وقولُه: ﴿جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾. يقولُ: مكافأةً لهما على سرقتِهما وعملِهما في التَّلصُّصِ بمعصيةِ اللَّهِ، ﴿نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾. يقولُ: عُقوبةً مِن اللَّهِ على لُصوصيتِهما.

وكان قَتادةُ يقولُ في ذلك ما حدَّثنا بِشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيعٍ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قَتادةَ قولَه: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾: لا تَرْثُوا لهم أن تُقِيمُوا فيهم الحدودَ، فإنه: واللَّهِ ما أَمَر اللَّهُ بأَمرٍ قَطُّ إلا وهو صلاحٌ، ولا نَهَى عن أَمرٍ قَطُّ إلا وهو فسادٌ. وكان عُمرُ بنُ الخَطَّابِ يقولُ: اشتَدُّوا على السُّرَّاقِ، فاقطَعُوهم يدًا يدًا، ورِجلًا رِجلًا (٢).

وقولُه: ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: واللهُ عزيزٌ في انتقامِه من هذا السارقِ والسارقةِ وغيرِهما من أهلِ معاصِيه، حكيمٌ في حُكْمِه فيهم وقضائِه عليهم. يقولُ: فلا تُفرِّطُوا أيُّها المؤمنون في إقامةِ حُكمِى على السُّرَّاقِ وغيرِهم من أهلِ الجرائمِ الذين أَوجَبْتُ عليهم حدودًا في الدنيا عقوبةً لهم، فإنى بحُكمِى قَضَيتُ ذلك عليهم، وعِلمى بصلاحِ ذلك لهم ولكم.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩)﴾.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "السارق"، وفى م: "التلميح"، وفى س: "السارق والسارقة" والمثبت كما أثبته الشيخ شاكر.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٨٠ إلى عبد بن حميد وأبى الشيخ.