للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تَعْجَلْ بمسألتِك ربَّك ذلك لهم، فإن ذلك نازلٌ بهم لا محالةَ، ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾، يقولُ: كأنهم يومَ يَرون عذابَ اللهِ الذي يَعِدُهم أنه منزلُه بهم، لم يَلْبَثوا في الدنيا إلا ساعةً من نهارٍ؛ لأنه يُنْسِيهم شَدَّهُ ما يَنْزِلُ بهم من عذابِه قدر ما كانوا في الدنيا لبِثوا، ومبلغَ ما فيها مكَثوا من السنين والشهورِ، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ [المؤمنون: ١١٢، ١١٣].

وقولُه: ﴿بَلَاغٌ﴾. فيه وجهان؛ أحدُهما: أن يكونَ معناه: لم يَلْبَثوا إلا ساعةً من نهارٍ، ذلك لُبْثُ بلاغٍ. بمعنى: ذلك بلاغٌ لهم في الدنيا إلى أجلِهم. ثم حُذِفت: ذلك لُبْثُ. وهى مرادةٌ في الكلامِ؛ اكتفاءً بدلالةِ ما ذُكِر من الكلامِ عليها. والآخرُ: أن يكونَ معناه: هذا القرآنُ والتذكيرُ بلاغٌ لهم وكفايةٌ إن فكَّروا واعتَبروا فتذكَّروا.

وقولُه: ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فهل يُهْلِكُ اللهُ بعذابِه إذا أنزَله إلَّا القومَ الذين خالَفوا أمرَه، وخرَجوا عن طاعتِه وكفَروا به؟ ومعنى الكلامِ: وما يُهْلِكُ اللهُ إلا القوم الفاسقين.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾: تَعلَّموا، ما يَهْلِكُ على اللهِ إلا هالكٌ ولَّى الإسلامَ ظهرَه، أو منافقٌ صدَّق بلسانِه وخالَف بعملِه (١). ذُكِر لنا أن نبيَّ اللهِ كان يقولُ: "أيُّما


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٤٥ إلى المصنف وعبد بن حميد.