للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قولُه: ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾. فإن معناه: وأنْبَتها ربُّها في غِذائِه ورزقه نباتًا حَسَنًا حتى تَمَّتْ فكَمَلَتِ امرأةً بالغةً تامةً.

كما حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُريجٍ، قال الله ﷿: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ﴾. قال: تَقَبَّل مِن أُمِّها ما أرادت بها للكَنيسة، وأجَرَها فيها، ﴿وَأَنْبَتَهَا﴾، قال: نَبتت في غذاءِ اللهِ (١).

القولُ في تأويل قوله: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾.

اختلفت القَرأَةُ في قراءة قوله: ﴿وَكَفَّلَهَا﴾؛ فقرَأَتُه عامةُ قَرَأَةِ أَهل الحجاز والمدينة والبصرة: (وكفلها) مُخَفَّفَةَ الفاءِ (٢)، بمعنى: ضَمَّها زكريا إليه. اعتبارًا بقولِ اللهِ ﷿: ﴿يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: ٤٤].

وقرأ ذلك عامةُ قَرأَةِ الكوفيين: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ (٣). بمعنى: وكَفَّلها الله زكريا.

وأوْلَى القراءتين بالصواب في ذلك عندى قراءةُ مَن قرأَ: ﴿وَكَفَّلَهَا﴾. مُشَدَّدةً، الفاء (٤)، بمعنى: وكَفَّلَها الله زكريا. بمعنى: وضمَّها الله إليه. لأن زكريا أيضًا ضَمَّها إليه بإيجاب الله له ضَمَّها إليه، بالقُرْعَةِ التي أَخْرَجها الله له، والآية التي أظْهَرها لخصومِه فيها، فجعَله بها أَوْلَى منهم، إذ قرَع فيها مَن شَاحَّه (٥) فيها. وذلك أنه بلَغنا أن زكريا وخُصُومَه في مريمَ إذ تَنازَعوا فيها، أَيُّهم تكونُ عندَه، تساهَموا


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٠ إلى المصنف وابن المنذر.
(٢) وهى قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر. ينظر حجة القراءت ص ١٦١.
(٣) وهى قراءة عاصم وحمزة والكسائي. المصدر السابق.
(٤) كلتا القراءتين صواب.
(٥) قَرَع أصحابه: إذا كانت له القُرعة دونهم. =