للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما توعَّدَ اللهُ جلَّ ثناؤُه بهذا القولِ عبادَه؛ لتقديمِه قبلَ ذلك بيانَ ما حرَّم عليهم أو نَهاهم عنه من ابتداءِ قولِه: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ إلى قولِه: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾. ثم أَتبع ذلك بالوعيدِ ليزدَجِرَ أولُو النُّهَى، وليذَّكرَ أولو الحِجَا، فيتَّقُوا عقابَه، ويحذَرُوا عذابَه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾.

اختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: هو دلالةٌ على عَددِ الطلاقِ الذي يكونُ للرجلِ فيه الرجعةُ على زوجتِه، والعدَدِ الذي تَبِينُ به زوجتُه منه.

ذكرُ من قال: إن هذه الآيةَ نزَلتْ لأنَّ أهلَ الجاهليةِ وأهلَ الإسلامِ قبلَ نزولِها لم يكنْ لطلاقِهم نهايةٌ تَبِينُ بالانتهاءِ إليها امرأتُه منه، ما راجَعها في عدَّتِها منه، فجعَل اللهُ لذلك حدًّا حرَّمَ بانتهاءِ الطلاقِ إليه على الرجلِ امرأتَه المطلَّقةَ إلَّا بعدَ زوجٍ، وجعَلها أملَكَ حينئذٍ بنفسِها منه.

ذِكرُ الأخبارِ الواردةِ بما قلنا في ذلك

حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا جريرٌ، عن هشامِ بنِ عروةَ، عن أبيه، قال: كان الرجلُ يطلِّقُ ما شاءَ ثم إنْ راجَعَ امرأتَه قبلَ أن تنقضيَ عدَّتُها كانت امرأتَه، فغضِبَ رجلٌ من الأنصارِ على امرأتِه، فقال لها: لا أقرَبُك ولا تَحِلِّين مِنِّى. قالت له: كيفَ؟ قال: أُطلِّقُكِ، فإذا (١) دَنَا أجلُكِ راجَعتُك، ثم أُطلِّقُك، فإذا دَنَا أجلُك راجعتُك. قال: فشكَتْ ذلك إلى النبيِّ ، فأنزَل اللهُ جلّ ثناؤُه: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ الآية (٢).


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "حتى إذا".
(٢) أخرجه مالك ٢/ ٥٨٨ - ومن طريقه الشافعي ٢/ ٦٨ (شفاء العى)، والبيهقي ٧/ ٣٣٣ - وعبد بن =