يقول جل ثناؤه لنبيه محمد ﷺ: يا محمد، لا تَأْذَنَنَّ فِي التَّخَلُّفِ عنك - إذا خَرَجْتَ لغزو عدوّك - لَمَن استأذنك في التَّخَلُّفِ مِن غَيرِ عُذْرٍ، فإِنه لَا يَسْتَأْذِنُكَ في ذلك إلا منافق لا يؤمن بالله واليوم الآخرِ. فأمَّا الذي يُصَدِّقُ بِاللهِ ويُقِرُ بوَحْدانيته وبالبعث والدار الآخرة والثواب والعقاب، فإنه لا يَسْتأْذِنُكَ في تَرْكِ الغزو وجهادِ أعداء الله بماله ونفسه، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾. يقولُ: والله ذو علم بمن خافَه فاتَّقاه بأداءِ فَرائضه، واجتناب معاصيه، والمسارعة إلى طاعتِه في غَزْوِ عدوِّه وجهادهم بماله ونفسه، وغير ذلك من أمره ونهيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قوله: ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾. فهذا تعييرٌ للمُنافِقِين حين استأذنوا في القُعُودِ عن الجهادِ مِن غيرِ عُذْرٍ، وعَذَر الله المؤمنين فقال: ﴿لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ (١)[النور: ٦٢].
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥)﴾.
يقول تعالى ذكره لنبيه ﷺ: إنما يَسْتأذنك، يا محمد، في التَّخَلُّفِ خِلافَك، وترك الجهاد معك، من غيرِ عُذْرٍ بَيِّنٍ - الذين لا يُصَدِّقون بالله ولا يُقرُّون بتوحيده،
(١) أخرجه أبو عبيد في ناسخه ص ٢٧٣، وابن أبي حاتم ٦/ ١٨٠٦، والنحاس في ناسخه ص ٥٠٦ من طريق عبد الله بن صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٢٤٧ إلى ابن المنذر.