للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذى لم يَزَلِ [اللهُ منفردًا] (١) لها به على وجهِ الكِلاءَةِ والحفظِ لها قبلَ ذلك - كان عن مسألةِ إبراهيمَ ربَّه إيجابَ فرضِ ذلك على لسانِه، لزِم العبادَ فرضُه دونَ غيرِه.

فقد تبيَّن إذن بما قلنا صحةُ معنى الخبرين؛ أعنى خبرَ أبي شريحٍ وابنِ عباسٍ، عن النبيِّ أنه قال: "إنَّ اللهَ حرَّم مكةَ يومَ خلَق الشمسَ والقمرَ". وخبرَ جابرٍ وأبى هريرةَ ورافعِ بنِ خَدِيجٍ وغيرِهم، أنَّ النبىَّ قال: "اللهمَّ إنَّ إبراهيمَ حرَّم مكةَ". وأنْ ليس أحدُهما دافعًا صحةَ معنى الآخرِ كما ظنَّه بعضُ الجهالِ.

وغيرُ جائزٍ في أخبارِ رسولِ اللهِ أنْ يكونَ بعضُها دافعًا بعضًا إذا ثبَت صحتُها، وقد جاء الخبران اللذان رُوِيا في ذلك عن رسولِ اللهِ مَجيئًا ظاهرًا مستفيضًا يَقْطَعُ عذرَ مَن بلَغه.

وأمَّا (٢) قولُ إبرهيمَ صلواتُ اللهِ عليه: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ [إبراهيم ٣٧]. فإنَّه إنْ يَكُنْ قال ذلك (٢) قبلَ إيجابِ اللهِ فرضَ تحريمِه على لسانِه على خلقِه، فإنما عنى بذلك تحريمَ اللهِ إياه الذى حرَّمه بحياطتِه إياه وكِلاءتِه (٣)، مِن غيرِ تحريمِه إياه على خلقِه على وجهِ التعبدِ لهم بذلك، وإن يكنْ قال ذلك بعدَ تحريمِ اللهِ إياه على لسانِه على خلقِه على وجهِ التعبدِ، فلا مسألةَ لأحدٍ علينا في ذلك.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾.

وهذه مسألةٌ مِن إبراهيمَ ربَّه أن يَرْزُقَ مؤمنى أهلِ مكةَ مِن الثمراتِ دونَ


(١) في م، ت ١: "متعبدًا لها".
(٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٣) في م، ت ١: "كلائه".