للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأرحامِ، طارتْ في الجسدِ أربعين يومًا، ثم تكونُ علقةً أربعين يومًا، ثم تكونُ مضغة أربعين يومًا، فإذا بلغ أن يُخْلَقَ، بعث اللهُ مَلَكًا يصوِّرُها، فيأتى الملَكُ بترابٍ بين إصبعَيْه، فيخلِطُه في المضغةِ، ثم يعجِنُه بها، ثم يصوِّرُها كما يؤمرُ، فيقولُ: أذكرٌ أو أنثَى؟ أشقيٌّ أو سعيدٌ؟ وما رزقُه؟ وما عمرُه؟ وما أَثَرُه؟ وما مصائبُه؟ فيقولُ اللهُ، ويكتبُ المَلَكُ، فإذا مات ذلك الجسدُ، دُفِن حيث أَخِذ ذلك الترابُ (١).

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾: قادرٌ واللَّهِ ربُّنا أن يصوِّرَ عبادَه في الأرحامِ كيف يشاءُ؛ من ذكرٍ أو أنثَى، أو أسودَ أو أحمرَ، تامٍّ خَلْقُه وغيرِ تامٍّ] (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)﴾.

وهذا القولُ تنزيهٌ من اللهِ تعالى ذكرُه نفسَه أن يكونَ له في ربوبيَّتِه نِدٌّ أو مِثلٌ، أو أن تجوزَ الألُوهةُ لغيرِه، وتكذيبٌ منه للذين قالوا في عيسى ما قالوا، من وفدِ نَجْرانَ الذين قَدِموا على رسولِ اللهِ ، وسائرِ مَن كان على مثل الذي كانوا عليه من قولِهم في عيسى، والجميعِ مَن ادَّعى مع اللهِ معبودًا، أو أَقَرَّ بِرُبُوبيَّةٍ غيرِه. ثم أخبرَ جلَّ ثناؤُه خلقه بصفتِه، وعيدًا منه لمن عبَد غيرَه، أو أشركَ في عبادتِه أحدًا سواه، فقال: هو العزيزُ الذي لا ينصُرُ مَن أراد الانتقامَ منه أحدٌ، ولا يُنْجِيه منه وَأَلٌ ولا لَجَأٌ (٣)، وذلك لعِزَّتِه التي يَذِلُّ لها كلُّ مخلوقٍ، ويخضَعُ لها كلُّ موجودٍ. ثم أعْلَمهم أنه


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٤ إلى المصنف، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٥٩٠ (٣١٥٦) من طريق عمرو به من قول السدى. وأصل الحديث في البخارى (٣٢٠٨)، ومسلم (٢٦٤٣) من حديث ابن مسعود مرفوعًا.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٥٩٠، ٥٩١ (٣١٥٩) من طريق شيبان، عن قتادة نحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٤ إلى عبد بن حميد.
(٣) الوأْلُ والموئل: الملجأ. واللجأُ والوأْلُ بمعنى. اللسان (ل ج أ، و أ ل).